وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول: سترون ما يجري عليه وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته، وأن الله ما أراد به إلا شفاء غليله والانتقام له منه مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون الله ورسوله وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم ومنهم من ضربهم ، ثم إن الله أمهل أكثرهم، ولم يعاقبهم في الدنيا، بل وربما أسلم بعضهم، فلم يصبه مكروه في الدنيا ولا في الآخرة، ثم وأنه قد انتقم له بما لا ينتقم لأنبيائه، ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره، وهو غافل عن هلاك نفسه، فهذه عقيدة المغترين وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله الجاهل المغرور يظن أنه أكرم على الله من أنبيائه عطاء السلمي حين كان تهب ريح أو تقع صاعقة: ما يصيب الناس ما يصيبهم إلا بسببي، ولو مات عطاء لتخلصوا .
وما قاله الآخر بعد انصرافه من عرفات: كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم. فانظر إلى الفرق بين الرجلين، هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا، وهو وجل على نفسه مزدر لعمله وسعيه، وذاك ربما يضمر من الرياء والكبر والحسد والغل ما هو ضحكة للشيطان به، ثم إنه يمتن على الله بعمله، ومن اعتقد جزما أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله؛ فإن الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله، وحكمه لنفسه أنه خير من غيره جهل محض، وأمن من مكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون؛ ولذلك روي أن رجلا ذكر بخير للنبي صلى الله عليه وسلم فأقبل ذات يوم فقالوا يا رسول الله هذا الذي ذكرناه لك ، فقال إني أرى في وجهه سفعة من الشيطان، فسلم ووقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسألك بالله حدثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك؟ قال: اللهم نعم فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور النبوة ما استكن في قلبه ، سفعة في وجهه .
وهذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد ، إلا من عصمه الله .