الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل السادس :

العلم بأنه تعالى ليس بعرض قائم بجسم أو حال في محل لأن العرض ما يحل في الجسم فكل جسم فهو حادث لا محالة ، ويكون محدثه موجودا قبله ، فكيف يكون حالا في الجسم وقد كان موجودا في الأزل وحده وما معه غيره ؟ ثم أحدث الأجسام والأعراض بعده ولأنه عالم قادر مريد خالق كما سيأتي بيانه وهذه الأوصاف تستحيل على الأعراض ، بل لا تعقل إلا لموجود قائم بنفسه ، مستقل بذاته .

التالي السابق


(الأصل السادس: العلم بأنه تعالى ليس بعرض قائم بجسم) وهو وصف كاشف لا مخصص، (أو حال في محل) ، والمراد بالحلول هنا الاستقرار، ومنه حلول الجوهر أو الجسم في الحيز، واستدل له من وجهين: الأول: ما تضمنه قوله (لأن العرض يحل في الجسم) وفي الاقتصاد للمصنف: هو ما يحتاج إلى الجسم أو الجوهر في تقومه، أي: في قيام ذواته وتحققها (وكل جسم فهو حادث، ويكون محدثه موجودا قبله، فكيف يكون حالا في الجسم وقد كان موجودا في الأزل وحده وما معه غيره؟ ثم أحدث الأجسام والأعراض بعده) كما ثبت بالأدلة السابقة، أي: فيستحيل وجوده قبله ضرورة استحالة وجود ما يتوقف وجوده على شيء قبل ذلك الشيء، والله تعالى قبل كل شيء وموجده .

وقال النسفي في "شرح العمدة": العرض يستحيل بقاؤه; لأنه لو كان باقيا إما أن يكون البقاء قائما به، وهو محال; لأن العرض لا يقوم بالغرض باتفاق المتكلمين، والبقاء عرض; لأن العرض عبارة عن أمر زائد على الذات، ولم يصح وحده، ولم يوجد بخلاف اتصال السواد باللونية; لأنها ليست بزائدة على ذاته، بل هي داخلة في ماهيته، أو قائما بغيره فيكون الباقي ذلك الغير; لأن العرض وما يستحيل بقاؤه لا يكون قديما؛ لأن القديم واجب الوجود لذاته؛ لما مر؛ فيكون مستحيل العدم. اهـ .

وقال السبكي: صانع العالم لا يحل في شيء; لأنه لو حل في شيء إما عرضا أو جوهرا أو صورة، والجميع محال ضرورة افتقار الحال لما حل فيه، ولا شيء من المفتقر بواجب الوجود، وكل [ ص: 101 ] حال في شيء مفتقر، فلا شيء من واجب الوجود بحال في شيء، وهو المطلوب. اهـ .

والثاني: ما تضمنه قوله: (ولأنه) تعالى (عالم قادر مريد خالق) أي: موصوف بالعلم والقدرة والإرادة والخلق (كما سيأتي بيانه) فيما بعد (وهذه الأوصاف تستحيل على الأعراض، بل لا تعقل) هذه الأوصاف (إلا لموجود) وفي بعض النسخ: "لموجد" (قائم بنفسه، مستقل بذاته) وأشار لهذا الوجه النسفي في "شرح العمدة"، فقال: ولأن العرض يفتقر إلى محل يقوم به، وما لا قيام له بذاته يستحيل منه الفعل، إذ الفعل المحكم المتقن لا يتأتى إلا من حي قادر عليم .




الخدمات العلمية