الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل الرابع :

العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيز بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز .

وبرهانه أن كل جوهر متحيز ، فهو مختص بحيزه ، ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه أو متحركا عنه فلا يخلو عن الحركة أو السكون ، وهما حادثان وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث .

ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم فإن سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز كان مخطئا من حيث اللفظ ، لا من حيث المعنى .

التالي السابق


(الأصل الرابع: العلم بأنه تعالى ليس بجوهر يتحيز) أي: يختص بالكون في الحيز، خلافا للنصارى، وقوله: يتحيز، صفة كاشفة لا مخصصة; لأن من شأن الجوهر الاختصاص بحيزه، وحيز الجوهر عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله الجوهر (بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز وبرهانه أن كل جوهر [ ص: 99 ] متحيز، فهو مختص بحيزه، ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه) أي: في ذلك الحيز (أو متحركا عنه) لأنه لا ينفك عن أحدهما (فلا يخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان) لما عرفته فيما سبق، فكان لا يخلو عن الحوادث (وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث) والحكم بحدوثه ثابت بما قدمناه في الأصل الأول من الدليل، وقد علم من استحالة كونه تعالى جوهرا استحالة لوازم الجوهر عليه تعالى من التحيز ولوازمه كالجهة، وسيأتي بيان ذلك في أصل مستقل .

(ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم) وهو باطل، (فإن سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز) أي: قال: لا كالجواهر في التحيز ولوازمه من إثبات الجهة والإحاطة ونحوهما (كان مخطئا من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى) لمثل ما سيأتي في إطلاق الجسم، إذ لم يرد إطلاق لفظ الجوهر عليه تعالى لا لغة ولا شرعا، وفي إطلاقه إيهام نقص، تعالى الله أن يتطرق إليه نقص، فإن الجوهر يطلق على الجزء الذي لا يتجزأ، وهو أحقر الأشياء مقدارا .

قال النسفي في "شرح العمدة": وقالت النصارى وابن كرام: يجوز إطلاقه على الله تعالى; لأنه اسم للقائم بالذات، والله تعالى قائم بالذات، فيكون جوهرا، قلنا: الجوهر في اللغة عبارة عن الأصل، وسمي الجزء الذي لا يتجزأ جوهرا; لأنه أصل المركبات، والله تعالى ليس بأصل للمركبات، فلم يكن جوهرا; ولأن الجوهر هو المتحيز الذي لا ينقسم ولا يخلو عن الحركة والسكون فيكون حادثا؛ لما مر، ولفظ الجوهر لا ينبئ عن القائم بالذات لغة، بل ينبئ عن الأصل وتحديد اللفظ بما لا ينبئ عنه لغة، وإخراج ما ينبئ عنه لغة عن كونه حدا له جهل فاحش. اهـ .

وقال السبكي: اعلم أن الجوهر على اصطلاح المتكلمين هو المتحيز القائم بنفسه، وعلى اصطلاح غيرهم هو الموجود، لا في موضوع، والموضوع هو الجسم، فهو تعالى ليس بجسم، ولا جوهر على الاصطلاح الأول; لضرورة افتقار الجوهر إلى الحيز، ولا على الثاني، وإلا لكان وجوده زائدا على ذاته، فيكون ممكنا ضرورة; لأن المعنى من قولهم: الموجود لا في موضوع، أي: الذي إذا وجد كان لا في موضوع، وذلك يقتضي الزيادة قطعا، وكل من وجوده زائد فهو ممكن، كما علم في محله، وأيضا فإن ذلك التفسير للجوهر الذي هو أحد أقسام الممكن ضرورة أن الممكن جوهر وغير جوهر، وأما من فسر الجوهر بأنه قائم بنفسه كالنصارى، فلا نزاع إلا في الإطلاق؛ إذ الإطلاق موقوف على التوقيف، ولم يرد في ذلك توقيف. اهـ .




الخدمات العلمية