ثم قال : ولا أقطع عليه بالحبط وإن لم يتزيد في العمل ، ولا آمن عليه ، وقد كنت أقف فيه لاختلاف الناس ، والأغلب على قلبي أنه يحبط إذا ختم عمله بالرياء . ثم قال : فإن قيل : قد قال الحسن رحمه الله تعالى إنهما حالتان فإذا كانت الأولى لم تضره الثانية .
وقد روي ، قال : لك أجران أجر السر وأجر العلانية أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه ، فيطلع عليه فيسرني . أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله
ثم تكلم على الخبر والأثر فقال : أما الحسن فإنه أراد بقوله : لا يضره ، أي : لا يدع العمل ولا تضره الخطرة ، وهو يريد الله ولم يقل : إذا عقد الرياء بعد عقد الإخلاص لم يضره . وأما الحديث فتكلم عليه بكلام طويل ، يرجع حاصله إلى ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يحتمل أنه أراد ظهور عمله بعد الفراغ ، وليس في الحديث أنه قبل الفراغ .
والثاني : أنه أراد أن يسر به للاقتداء ؛ به ، أو لسرور آخر محمود مما ذكرناه قبل ، لا سرورا بسبب حب المحمدة والمنزلة ، بدليل أنه جعل له به أجرا ، ولا ذاهب من الأمة إلى أن للسرور بالمحمدة أجرا ، وغايته أن يعفى عنه فكيف يكون للمخلص أجر وللمرائي أجران .
؟! والثالث : أنه قال : أكثر من يروي الحديث يرويه غير متصل إلى بل أكثرهم يوقفه على أبي هريرة ، أبي صالح ، ومنهم من يرفعه ، فالحكم بالعمومات الواردة في الرياء أولى .
هذا ما ذكره ولم يقطع به ، بل أظهر ميلا إلى الإحباط .
والأقيس عندنا : أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل ، بل بقي العمل صادرا عن باعث الدين ، وإنما انضاف إليه السرور بالاطلاع ، فلا يفسد العمل ؛ لأنه لم ينعدم به أصل نيته ، وبقيت تلك النية باعثة على العمل ، وحاملة على الإتمام .
وأما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا الخلق وأما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساويا لقصد الثواب ، أو أغلب منه ، أما إذا كان ضعيفا بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة ، وسائر الأعمال ، ولا ينبغي أن يفسد الصلاة ولا يبعد أن يقال : إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله ، والخالص ما لا يشوبه شيء ، فلا يكون مؤديا للواجب مع هذا الشوب ، والعلم عند الله فيه .
وقد ذكرنا في كتاب الإخلاص كلاما أوفى مما أوردناه الآن فليرجع إليه ، فهذا حكم الرياء الطارئ بعد عقد العبادة ، إما قبل الفراغ أو بعد الفراغ .