وقدم رجل من قريش من السفر ، فمر برجل من الأعراب على قارعة الطريق قد أقعده الدهر وأضر به المرض ، فقال : يا هذا ، أعنا على الدهر ، فقال الرجل لغلامه : ما بقي معك من النفقة فادفعه إليه ، فصب الغلام في حجر الأعرابي أربعة آلاف درهم ، فذهب لينهض فلم يقدر من الضعف فبكى ، فقال له الرجل : ما يبكيك ? لعلك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ، ولكن ذكرت ما تأكل الأرض من كرمك فأبكاني .
واشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق بتسعين ألف درهم ، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد ، فقال لأهله : ما لهؤلاء ? قالوا : يبكون لدارهم فقال : يا غلام ، ائتهم فأعلمهم أن المال والدار لهم جميعا .
وقيل بعث : إلى مالك بن أنس رحمه الله بخمسمائة دينار فبلغ ذلك هارون الرشيد فأنفذ إليه ألف دينار ، فغضب الليث بن سعد هارون ، وقال أعطيه : خمسمائة ، وتعطيه ألفا ، وأنت من رعيتي ? فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لي من غلتي كل يوم ألف دينار فاستحييت أن أعطي مثله أقل من دخل يوم وحكي أنه وحكي أن امرأة سألت لم تجب عليه الزكاة مع أن دخله كل يوم ألف دينار رحمة الله عليه شيئا من عسل فأمر لها بزق من عسل ، فقيل له : إنها كانت تقنع بدون هذا ، فقال : إنها سألت على قدر حاجتها ونحن نعطيها ، على قدر النعمة علينا وكان الليث بن سعد لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلثمائة وستين مسكينا . الليث بن سعد
وقال الأعمش اشتكت شاة عندي ، فكان يعودها بالغداة والعشي ، ويسألني هل استوفت علفها ? وكيف صبر الصبيان منذ فقدوا لبنها ? وكان تحتي لبد أجلس عليه ، فإذا خرج ، قال : خذ ما تحت اللبد حتى وصل إلي في علة الشاة أكثر من ثلثمائة دينار من بره حتى تمنيت أن الشاة لم تبرأ . خيثمة بن عبد الرحمن
وقال عبد الملك بن مروان لأسماء بن خارجة بلغني عنك خصال فحدثني بها ، فقال : هي من غيري أحسن منها مني فقال عزمت عليك إلا حدثتني بها فقال : يا أمير المؤمنين ، ما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط ، ولا صنعت طعاما قط فدعوت عليه قوما إلا كانوا أمن علي مني عليهم ، ولا نصب لي رجل وجهه قط يسألني شيئا فاستكثرت شيئا أعطيه إياه .
ودخل سعيد بن خالد على وكان سليمان بن عبد الملك سعيد رجلا جوادا فإذا لم يجد شيئا كتب لمن سأله صكا على نفسه حتى يخرج عطاؤه فلما نظر إليه سليمان تمثل بهذا البيت فقال .
إني سمعت مع الصباح مناديا يا من يعين على الفتى المعوان
ثم قال : ما حاجتك ? قال : ديني ، قال : وكم هو ? قال : ثلاثون ألف دينار ، قال : لك دينك ، ومثله .وقيل : مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ إخوانه فقيل له : إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين ، فقال : أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة ، ثم أمر مناديا ، فنادى : من كان عليه لقيس بن سعد حق ، فهو منه بريء . قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة من زاره وعاده .
عن أبي إسحاق قال : صليت العصر في مسجد الأشعث بالكوفة أطلب غريما لي ، فلما صليت ، وضع بين يدي حلة ونعلان ، فقلت : لست من أهل هذا المسجد فقالوا : إن الأشعث بن قيس الكندي قدم البارحة من مكة ، فأمر لكل من صلى في المسجد بحلة ونعلين .
وقال الشيخ أبو سعد الحركوشي النيسابوري رحمه الله سمعت محمد بن محمد الحافظ يقول : سمعت المجاور الشافعي بمكة يقول : كان بمصر رجل عرف بأن يجمع للفقراء شيئا ، فولد لبعضهم مولود قال فجئت إليه وقلت له ولد لي ، مولود ، وليس معي شيء ، فقام معي ودخل على جماعة ، فلم يفتح بشيء ، فجاء إلى قبر رجل ، وجلس عنده ، وقال : رحمك الله ; كنت تفعل ، وتصنع وإني درت اليوم على جماعة فكلفتهم دفع شيء لمولود ، فلم يتفق لي شيء . قال : ثم قام ، وأخرج دينارا وقسمه ، نصفين ، وناولني نصفه ، وقال : هذا دين عليك إلى أن يفتح الله عليك بشيء ، قال : فأخذته ، وانصرفت ، فأصلحت ما اتفق لي به قال ، فرأى ذلك المحتسب تلك الليلة ذلك الشخص في منامه ، فقال : سمعت جميع ما قلت ، وليس لنا إذن في الجواب ، ولكن احضر منزلي ، وقل لأولادي يحفروا مكان الكانون ، ويخرجوا قرابة فيها خمسمائة دينار فاحملها ، إلى هذا الرجل ، فلما كان من الغد تقدم إلى منزل الميت ، وقص عليهم القصة ، فقالوا له : اجلس ، وحفروا الموضع ، وأخرجوا الدنانير ، وجاءوا بها فوضعوها بين يديه ، فقال هذا مالكم ، وليس لرؤياي حكم ، فقالوا : هو ، فلما ألحوا عليه حمل الدنانير إلى الرجل صاحب المولود ، وذكر له القصة ، قال : فأخذ منها دينارا فكسره نصفين ، فأعطاه النصف الذي أقرضه ، وحمل النصف الآخر ، وقال : يكفيني هذا ، وتصدق به على الفقراء ، فقال يتسخى ميتا ، ولا نتسخى نحن أحياء فلا أدري ، أي هؤلاء أسخى . أبو سعيد :