فليس بعد بيان الله سبحانه بيان وقد قال تعالى : وأول ما يستضاء به من الأنوار ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا وقال تعالى : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون وقال تعالى : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا وقال تعالى : أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ، إلى قوله : للمقوين فليس يخفى على من معه أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسماوات وبدائع فطرة الحيوان والنبات أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره ، وفاعل يحكمه ويقدره بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ، ومصرفة بمقتضى تدبيره .
ولذلك قال الله تعالى : أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ولهذا بعث الأنبياء صلوات الله عليهم لدعوة الخلق إلى التوحيد ليقولوا لا إله إلا الله وما أمروا أن يقولوا : لنا إله وللعالم إله .
فإن ذلك كان مجبولا في فطرة عقولهم من مبدأ نشوئهم وفي عنفوان شبابهم .
ولذلك قال عز وجل : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، وقال تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فإذا في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان .
.