تعفو الملوك عن العظيم من الذنوب بفضلها ولقد تعاقب في اليسير
وليس ذاك لجهلها إلا ليعرف حلمها
ويخاف شدة دخلها
وروي أن راهبا دخل على هشام بن عبد الملك فقال للراهب : أرأيت ذا القرنين أكان نبيا ? فقال : لا ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كن فيه ; كان إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق ولا يجمع شغل اليوم لغد وقال بعضهم : ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا ، قدر عفا وقال زياد القدرة تذهب الحفيظة ; يعني الحقد ، والغضب وأتي هشام برجل بلغه عنه أمر فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته فقال له هشام : وتتكلم أيضا فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، قال الله عز وجل : يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أفنجادل الله تعالى ، ولا نتكلم بين يديك كلاما قال ؟ هشام : بلى ، ويحك ، تكلم وروي أن سارقا دخل خباء بصفين فقيل له : اقطعه فإنه من أعدائنا فقال : بل أستر عليه ; لعل الله يستر علي يوم القيامة وجلس عمار بن ياسر في السوق يبتاع طعاما فابتاع ، ثم طلب الدراهم ، وكانت في عمامته فوجدها قد حلت فقال لقد : جلست وإنها لمعي ، فجعلوا يدعون على من أخذها ، ويقولون : اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها ، اللهم افعل به كذا ، فقال عبد الله اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها ، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه وقال الفضيل ما رأيت أزهد من رجل من ابن مسعود أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام ، ثم قام ليطوف ، فسرقت دنانير كانت معه ، فجعل يبكي ، فقلت أعلى الدنانير تبكي فقال : لا ولكن ، مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته فبكائي رحمة له وقال أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلا وهو على البصرة أمير وجاء مالك بن دينار الحسن ، وهو خائف فدخلنا معه عليه ، فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج فذكر الحسن قصة يوسف عليه السلام وما صنع به إخوته من بيعهم إياه ، وطرحهم له في الجب ، فقال : باعوا أخاهم ، وأحزنوا أباهم ، وذكر ما لقي من كيد النساء ، ومن الحبس ثم قال : أيها الأمير ، ماذا صنع الله به ? أداله منهم ، ورفع ذكره ، وأعلى كلمته ، وجعله على خزائن الأرض ، فماذا صنع حين أكمل له أمره ، وجمع له أهله قال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه قال الحكم وأنا : أقول : لا تثريب عليكم اليوم ، ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته وكتب ابن المقفع إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه فلان هارب من زلته إلى عفوك ، لائذ منك بك ، واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ازداد العفو فضلا وأتي بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة ما ترى ? قال إن : الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر ، فأعط الله ما يحب من العفو ، فعفا عنهم وروي أن عبد الملك بن مروان زيادا أخذ رجلا من الخوارج ، فأفلت منه فأخذ أخا له ، فقال له : إن جئت بأخيك ، وإلا ضربت عنقك ، فقال : أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي ? قال : نعم ، قال : فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم ، وموسى ثم تلا أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى ، فقال زياد : خلوا سبيله ; هذا رجل قد لقن حجته وقيل : مكتوب في الإنجيل : من استغفر لمن ظلمه ، فقد هزم الشيطان .