ومن كان بصيرا بحقائق الأمور ، وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في غيرها ، فهذه ثلاثة أقسام ، فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها .
أما القسم الأول : فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا على حد يستحبه الشرع ، ويستحسنه العقل ، وذلك ممكن بالمجاهدة وتكلف الحلم ، والاحتمال مدة حتى يصير الحلم ، والاحتمال خلقا راسخا فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع وهو غير ممكن ، نعم ، يمكن كسر سورته وتضعيفه حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن ، وينتهي ضعفه إلى أن لا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جدا وهذا حكم القسم الثالث أيضا ; لأن ما صار ضروريا في حق شخص ، فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه ، فالرياضة فيه تمنع العمل به ، وتضعف هيجانه في الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه .
وأما القسم الثاني : فيمكن عليه ; إذ يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر ومستقره ، الآخرة وأن ، الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك عليه وبال في وطنه ، ومستقره ، فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب ، فالرياضة في هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب ، وهو نادر جدا وقد تنتهي إلى المنع من استعمال الغضب والعمل ، بموجبه وهو أهون . التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب