الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون ، وإن أبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الإخوان ، الملتمسون للبرءاء العثرات .

وقال صلى الله عليه وسلم: ألا : أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى قال المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرءاء العيب وقال أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق ، شانه الله بها في النار يوم القيامة وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما رجل أشاع على رجل كلمة ، وهو منها بريء ليشينه ، بها في الدنيا ، كان حقا على الله أن يذيبه بها يوم القيامة في النار وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد على مسلم بشهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار ويقال : إن ثلث عذاب القبر من النميمة وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لما خلق الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : سعد من دخلني . فقال الجبار جل جلاله : وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس لا يسكنك : مدمن خمر ، ولا مصر على الزنا ، ولا قتات - وهو النمام - ولا ديوث ولا شرطي ولا مخنث ولا قاطع رحم ، ولا الذي يقول علي : عهد الله إن لم أفعل كذا وكذا ثم لم يف به ، وروى كعب الأحبار أن بني إسرائيل أصابهم قحط فاستسقى موسى عليه السلام مرات ، فما سقوا ، فأوحى الله تعالى إليه : إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة . فقال موسى يا رب : من هو ؟ دلني عليه حتى أخرجه من بيننا . قال : يا موسى أنهاكم عن ، النميمة وأكون نماما ؟ فتابوا جميعا فسقوا . ويقال : اتبع رجل حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات ، فلما قدم عليه قال إني جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم ، أخبرني عن السماء وما أثقل منها ، وعن الأرض وما أوسع منها ، وعن الصخر ، وما أقسى منه ، وعن النار وما أحر منها ، وعن الزمهرير وما أبرد منه ، وعن البحر وما أغنى منه ، وعن اليتيم وما أذل منه . فقال له الحكيم : البهتان على البريء أثقل من السماوات ، والحق أوسع من الأرض ، والقلب القانع أغنى من البحر ، والحرص والحسد أحر من النار ، والحاجة .

إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير ، وقلب الكافر أقسى من الحجر ، والنمام إذا بان أمره أذل من اليتيم .

التالي السابق


(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبكم إلى الله تعالى أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلى الله تعالى المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العثرات ) رواه ابن أبي الدنيا ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن هشام ، حدثني صالح المري ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبكم.." ، فذكره، وكذلك رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقد تقدم في كتاب آداب الصحبة، (وقال صلى الله عليه سلم: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت ) رواه ابن أبي الدنيا عن داود بن عمرو الضبي ، حدثنا داود العطار عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.. فذكره، وقد رواه أحمد من حديث أبي مالك الأشعري ، وتقدم في كتاب آداب الصحبة، (وقال أبو ذر) الغفاري رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشاد) بالدال، أي: أشاع ورفع، وما يوجد في نسخ الكتاب بالراء تصحيف من النساخ (على مسلم بكلمة) ، كذا في النسخ، والرواية: كلمة، (يشينه) أي: يعيبه (بها بغير حق، شانه الله تعالى في النار يوم القيامة) جزاء وفاقا، رواه ابن أبي الدنيا عن علي بن الجعد ، أنبأنا أبو معاوية ، عن عبد الله بن ميمون ، عن موسى بن مسكين ، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أشاد.. فذكره، وكذلك رواه في ذم الغيبة. والخرائطي والطبراني ، كلاهما في مكارم الأخلاق، والبيهقي في الشعب، قال العراقي : وفيه عبد الله بن ميمون ، فإن يكن القداح ، فهو متروك. اهـ .

قلت: هو عبد الله بن ميمون بن داود بن القداح المخزومي المكي ، من رجال الترمذي ، والذي قال: "إنه متروك" أبو حاتم ، ومشاه غيره، ولهم رجل آخر: عبد الله بن ميمون ، أخرج له ابن ماجه ، ورجل آخر: عبد الله بن ميمون الرقي ، مقبول، وعبد الله بن ميمون الطهومي ، روى عنه أحمد بن بديل ، فيحتمل أن يكون أحد هؤلاء، وقد أخرجه الحاكم أيضا [ ص: 563 ] وصححه، فهذا يدل على أنه غير القداح ، فإن القداح حاله معلوم عند الحاكم ، أو أنه هو، ولكن اعتمد على قول من مشاه على أن الذهبي قد تعقبه بأن سنده مظلم، وكأنه يشير إلى ما ذكر. (وقال أبو الدرداء ) رضي الله عنه: (قال صلى الله عليه وسلم: أيما رجل أشاع عن رجل كلمة، وهو منها بريء، ليشينه بها في الدنيا، كان حقا على الله أن يذيبه بها يوم القيامة في النار ) رواه ابن أبي الدنيا موقوفا على أبي الدرداء فقال: حدثنا أحمد بن جميل ، أنبأنا ابن المبارك عن وهيب، يعني ابن خالد ، عن موسى بن عقبة بن سليمان بن عمرو بن ثابت ، عن جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع أبا الدرداء يقول: أيما رجل أشاع.. فذكره، قال العراقي : ورواه الطبراني بلفظ آخر من حديثه مرفوعا، وقد تقدم .

(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد على مسلم بشهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار ) رواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن أبي بدر ، أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا جهير بن يزيد ، عن خداش بن عباس أو عياش ، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره. قال العراقي : ورواه أحمد ، وفيه رجل لم يسم، أسقطه ابن أبي الدنيا من الإسناد .

(ويقال: إن ثلث عذاب القبر من النميمة ) رواه ابن أبي الدنيا ، عن أحمد بن منيع ، حدثنا ابن علية ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قال: ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث، ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة ، وقد تقدم ذكره قريبا في الآفة التي قبلها .

وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن قوذر عن كعب قال: اتقوا النميمة، فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر .

(وعن ابن عمر ) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الله تعالى لما خلق الجنة قال لها: تكلمي. فقالت: سعد من دخلني. فقال الجبار جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية من الناس: مدمن خمر، ولا مصر على زنا، ولا قتات -وهو النمام- ولا ديوث) -هو القواد- (ولا شرطي) هو الجلواز عند الأمراء، (ولا المخنث) الذي يتشبه بالنساء، (ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول: علي عهد الله إن لم أفعل، ولا يفعل) ، وفي نسخة: ولا يفي به، قال العراقي : لم أجده هكذا بتمامه. ولأحمد : لا يدخل الجنة عاق لوالديه، والديوث . وفيه من لم يسم، وللنسائي من حديث ابن عمر : "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر" . وفيه انقطاع واضطراب، وللشيخين من حديث حذيفة : "لا يدخل الجنة قتات" . ولهما من حديث جبير بن مطعم : لا يدخل الجنة قاطع . وذكر صاحب الفردوس من حديث ابن عباس : لما خلق الله الجنة فقال لها: تكلمي، تزيني. فتزينت، فقالت: طوبى لمن دخلني، ورضي عنه إلهي. فقال الله عز وجل: لا يسكنك مخنث، ولا نائحة . ولم يخرجه ولده في مسنده. اهـ .

قلت: وروى الطبراني من حديث ابن عباس : لما خلق الله تعالى جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي. قالت: قد أفلح المؤمنون . ورواه ابن عساكر ، وزاد، ثم قالت: أنا حرام على كل بخيل ومراء .

(وروى كعب الأحبار أن بني إسرائيل أصابهم قحط) أي: قلة مطر، (فاستسقى موسى عليه السلام مرات، فما سقوا، فأوحى الله تعالى إليه: إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة. فقال موسى : يا رب من هو؟ دلني عليه حتى أخرجه من بيننا. قال: يا موسى ، أكره النميمة وأنم؟ فتابوا جميعا) ، واستسقوا (فسقوا. ويقال: اتبع رجل حكيما سبعمئة فرسخ في سبع كلمات، فلما قدم عليه قال) له: (إني جئتك للذي آتاك الله من العلم، أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض وما أوسع منها، وعن الصخر، وما أقسى منه، وعن النار وما أحر منها، وعن الزمهرير وما أبرد منه، وعن البحر وما أغنى منه، وعن اليتيم وما أذل منه. فقال له الحكيم : البهتان على البريء أثقل من السموات، والحق أوسع من الأرض، والقلب القانع أغنى من البحر، والحرص والحسد أحر من النار، والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير، وقلب الكافر أقسى من الحجر، والنمام إذا بان أمره أذل من اليتيم) وقوله: البهتان على البريء [ ص: 564 ] أثقل من السموات، نقل ذلك عن سيدنا سليمان عليه السلام، ورواه الحكيم الترمذي من قول علي بن أبي طالب .




الخدمات العلمية