الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقالت عائشة رضي الله عنها : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ، فقال : تعالي حتى أسابقك . فشددت درعي على بطني ثم خططنا خطا ، فقمنا عليه ، واستبقنا ، فسبقني ، وقال هذه مكان : ذي المجاز وذلك أنه جاء يوم ونحن بذي المجاز ، وأنا جارية قد بعثني أبي بشيء ، فقال : أعطنيه . فأبيت ، وسعيت ، وسعى في أثري ، فلم يدركني وقالت أيضا : سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقني فسبقني ، وقال : هذه بتلك وقالت أيضا رضي الله عنها : كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة فصنعت حريرة ، وجئت به ، فقلت : لسودة : كلي . فقالت : لا أحبه . فقلت : والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك فقالت : ما أنا بذائقته . فأخذت بيدي من الصحفة شيئا منه ، فلطخت به وجهها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بيني وبينها ، فخفض لها رسول الله ركبتيه لتستقيد مني فتناولت من الصحفة شيئا فمسحت به وجهي ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك وروي أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلا دميما قبيحا فلما بايعه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب ، أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها . وعائشة جالسة تسمع ، فقالت أهي أحسن أم أنت ؟ فقال : بل أنا أحسن منها ، وأكرم . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤالها إياه ; لأنه كان دميما وروى علقمة عن أبي سلمة أنه كان صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن ابن علي عليهما السلام فيرى الصبي لسانه فيهش له فقال له عيينة بن بدر الفزاري والله ليكونن لي الابن ، قد تزوج وبقل وجهه وما قبلته قط . فقال صلى الله عليه وسلم : إن من لا يرحم لا يرحم فأكثر هذه المطايبات منقولة مع النساء والصبيان ، وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم معالجة لضعف قلوبهم من غير ميل إلى هزل وقال صلى الله عليه وسلم مرة لصهيب وبه رمد ، وهو يأكل تمرا : أتأكل التمر وأنت رمد ؟ فقال : إنما آكل بالشق الآخر يا رسول الله فتبسم صلى الله عليه وسلم .

قال بعض الرواة حتى نظرت إلى نواجذه .

وروي أن خوات ابن جبير الأنصاري كان جالسا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة ، فطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا : أبا عبد الله ما لك ، مع النسوة ؟ فقال : يفتلن ضفيرا لجمل لي شرود قال : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ، ثم عاد فقال يا : أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد ؟ قال : فسكت واستحييت وكنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته ؛ حياء منه حتى قدمت المدينة وبعد ما ، قدمت المدينة قال : فرآني في المسجد يوما أصلي ، فجلس إلي ، فطولت فقال : لا تطول ؛ فإني أنتظرك . فلما سلمت قال يا : أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد قال ؟ فسكت واستحييت فقام وكنت بعد ذلك أتفرر منه ، حتى لحقني يوما وهو على حمار ، وقد جعل رجليه في شق واحد ، فقال : أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد ؟ فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت . فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، اللهم اهد أبا عبد الله . قال : فحسن إسلامه وهداه الله .

وكان نعيمان الأنصاري رجلا مزاحا فكان يشرب الخمر في المدينة فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ، فلما كثر ذلك منه .

قال له رجل من الصحابة : لعنك الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ؛ فإنه يحب الله ورسوله
: وكان لا يدخل المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها ، ثم أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، هذا قد اشتريته لك وأهديته لك، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه بالثمن جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ، أعطه ثمن متاعه . فيقول له صلى الله عليه وسلم أولم : تهده لنا ؟ فيقول : يا رسول الله ، إنه لم يكن عندي ثمنه ، وأحببت أن تأكل منه . فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه فهذه مطايبات يباح مثلها على الندور لا على الدوام ، والمواظبة عليها هزل مذموم ، وسبب للضحك المميت للقلب .

التالي السابق


(وقالت عائشة رضي الله عنها: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ، فقال: تعالي حتى أسابقك. فشددت علي درعي) ، وفي نسخة: فشددت درعي على بطني، (ثم خططنا خطا، فقمنا عليه، واستبقنا، فسبقني، وقال: هذه مكان ذي المجاز ) وهو اسم مكان بمكة ، (وذلك أنه جاء يوما ونحن بذي المجاز ، وأنا جارية قد بعثني أبي بشيء، فقال: أعطنيه. فأبيت، وسعيت، وسعى في أثري، فلم يدركني) قال العراقي : لم أجد له أصلا، ولم تكن عائشة معه في غزوة بدر ، (وقالت) عائشة رضي الله عنها (أيضا: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما حملت اللحم سابقني فسبقني، وقال: هذه بتلك ) رواه النسائي وابن ماجه ، وقد تقدم في كتاب النكاح. (وقالت) عائشة رضي الله عنها (أيضا: كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة) بن قيس بن عبد شمس العامرية، أم المؤمنين رضي الله عنها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولما أسنت وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، ولها حديث في مسند أحمد ، وتوفيت في آخر خلافة عمر رضي الله عنه، (فصنعت خزيرا، وجئت به، فقلت: لسودة : كلي. فقالت: لا أحبه. فقلت: والله لتأكلن أو لألطخن وجهك) به، (فقالت: ما أنا ذائقته. فأخذت بيدي من الصحفة شيئا منه، فلطخت به وجهها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، فخفض لها ركبته لتستقيد) [ ص: 501 ] منها، (فتناولت من الصحفة شيئا فمسحت به وجهي، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك) وقال العراقي : رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، وأبو يعلى ، بإسناد جيد .

(وروي أن الضحاك بن سفيان) بن عوف العامري (الكلابي) كنيته أبو سعيد، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه الذين أسلموا، وكان أحد الأبطال، يعد بمئة فارس، ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة أمره على بني سليم ، روى له الأربعة (كان رجلا دميما) بالدال المهملة، أي: قصيرا، (قبيحا) أي: في الصورة، (فلما بايعه النبي صلى الله عليه وسلم قال:) أي: سفيان : (إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء) يعني بها عائشة رضي الله عنها، (وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب، أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها. وعائشة ) رضي الله عنها (جالسة تسمع، فقالت) عائشة : (أهن أحسن أم أنت؟ فقال: بل أنا أحسن منهن، وأكرم. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤالها إياه; لأنه كان دميما) أي: حقيرا قصيرا. قال العراقي : رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح، من رواية عبد الله بن حسن بن حسن مرسلا، أو معضلا، وللدارقطني نحو هذه القصة مع عيينة بن حصن الفزاري بعد نزول الحجاب، من حديث أبي هريرة بسند ضعيف. اهـ .

قلت: وروى سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: "جاء عيينة بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده عائشة ، فقال: من هذه؟ وذلك قبل أن ينزل الحجاب، فقال: هذه عائشة . فقال: ألا أنزل لك عن أم البنين؟ فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ فقال: هذا الأحمق المطاع. يعني في قومه" ، هكذا رواه مرسلا، ورجاله ثقات، وأخرجه الطبراني من وجه آخر موصولا، عن جرير : "أن عيينة بن حصن دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال -وعنده عائشة -: من هذه الجالسة إلى جنبك؟ قال: عائشة . قال: أفلا أنزل لك عن خير منها؟ يعني امرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [لا. قال له النبي صلى الله عليه وسلم:] اخرج فاستأذن. فقال: إنها يمين علي ألا أستأذن على مضري. فقالت عائشة : من هذا؟.. فذكره، (وروى أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، ثقة، مكثر، مات سنة أربع وتسعين، (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي) رضي الله عنهما، (فيرى الصبي لسانه فيهش له) ، أي: يفرح له، ويقبل إليه، (فقال له عيينة بن بدر الفزاري) هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، من المؤلفة قلوبهم، شهد حنينا والطائف ، وكان أحمق مطاعا، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن، وأساء الأدب، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته وأعرابيته وقذارته، وكان يتبعه عشرة آلاف قناة، كان من الجرارة، واسمه حذيفة، ولقبه عيينة، لشتر عينه، (والله ليكونن لي الابن رجلا، قد تزوج وبقل وجهه وما قبلته قط. فقال صلى الله عليه وسلم: إن من لا يرحم لا يرحم ) ، قال العراقي : رواه أبو يعلى من هذا الوجه بسند جيد دون ما في آخره من قول عيينة ، وهو عيينة بن حصن بن بدر ، نسب إلى جده، وحكى الخطيب في المبهمات قولين في قائل ذلك، أحدهما أنه عيينة بن حصن ، والثاني أنه الأقرع بن حابس ، وعند مسلم في رواية الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، "أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدا منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم" . اهـ .

قلت: وحديث: "من لا يرحم لا يرحم" ، رواه الشيخان والطبراني من حديث جرير ، ورواه أحمد والشيخان وأبو داود ، والترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة ، ورواه الطبراني أيضا من حديث ابن عمر ، ورواه أبو نعيم في الحلية عن الأقرع بن حابس ، وهو في الأدب المفرد للبخاري عن الأقرع بن حابس مع القصة التي ذكرها المصنف، (فأكثر هذه المطايبات منقولة عن النساء والصبيان، وكان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم معالجة لضعف قلوبهم) ، وتأنيس خواطرهم، مع إرشادهم لما فيه مصلحة تامة، (من غير ميل إلى هزل) أو سخرية؛ إذ كان انبساطه مع الغير سالما من الإيذاء، وبه فارق الهزل والسخرية .

(وقال صلى الله عليه وسلم مرة لصهيب) بن سنان بن خالد الربعي النمر، كنيته أبو يحيى، وإنما قيل له: الرومي; لأن الروم سبته وهو صغير، فنشأ فيهم، ثم ابتاعته كلب، وبيع بمكة ، (وبه رمد، وهو [ ص: 502 ] يأكل تمرا: أتأكل التمر وأنت رمد؟ فقال: إنما آكل بالشق الآخر) ، وكأنه كان رمدا بإحدى عينيه، وقد صرح الأطباء أن أكل مثل التمر للعين الرمداء مضر، (فتبسم صلى الله عليه وسلم) ، قال العراقي : رواه ابن ماجه والحاكم من حديث صهيب ، ورجاله ثقات، (قال بعض الرواة) لهذا الحديث: (حتى نظرت إلى نواجذه) أي: أضراسه أو أنيابه، أو ضواحكه، أقوال، والحاصل من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في أغلب أحواله لا يزيد على التبسم، وربما زاد على ذلك حتى تبدو نواجذه ، والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، والإفراط فيه، كما تقدم .

(وروي أن خوات بن جبير) بن النعمان بن أمية (الأنصاري) الأوسي، كنيته أبو عبد الله، وقيل: أبو صالح، أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا ، وقال ابن إسحاق : لم يشهدها، وأسهم له، وقيل: هو صاحب ذات النحيين ، امرأة من بني تيم الله ، كانت تبيع السمن، وقصتها مشهورة، توفي سنة أربعين، وله أربع وسبعون سنة (كان جالسا إلى نسوة من بني كعب ) ، وفي بعض النسخ: من قريش (بطريق مكة ، فطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبا عبد الله ، ما لك مع النسوة؟ فقال: يفتلن ضفيرا) ، أي: حبلا يضفرنه، (لجمل لي شرود) أي: نفور، (قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم عاد) أي: رجع عليه، (فقال له: أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد) ، أي: النفرة، (بعد؟ قال: فسكت واستحييت وكنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته؛ حياء منه) أن يكلمني بذلك الكلام، (حتى قدمت المدينة ، وبعدما قدمت المدينة قال: فرآني في المسجد يوما أصلي، فجلس إلي، فطولت) في الصلاة، (فقال: لا تطول؛ فإني أنتظرك. فلما سلمت) من الصلاة (قال: أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ فسكت واستحييت وكنت بعد ذلك أتفرر منه، حتى لحقني يوما وهو على حمار، وقد جعل رجليه في شق واحد، فقال: أبا عبد الله ، أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت. فقال: الله أكبر، الله أكبر، اللهم اهد أبا عبد الله . قال: فحسن إسلامه وهداه الله) ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، قال العراقي : رواه الطبراني في الكبير من رواية زيد بن أسلم ، عن خوات بن جبير ، مع اختلاف، ورجاله ثقات، وأدخل بعضهم بين زيد ، وبين خوات : ربيعة بن عمرو . اهـ .

قلت: وكذلك رواه الإمام البغوي في معجم الصحابة، روياه من طريق جرير بن حازم ، عن زيد بن أسلم أن خوات بن جبير قال: نزلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ، قال: فخرجت من خبائي، فإذا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت إلى خبائي، فأخذت حلتي فلبستها، وجلست إليهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته، فلما رآني هبته، فقلت: يا رسول الله جمل لي شرود، فأنا أبتغي له قيدا ، الحديث بطوله، وربيعة بن عمرو المذكور هو الدمشقي أبو الغاز الجرشي مختلف في صحبته، قتل يوم مرج راهط سنة أربع وستين، (وكان نعيمان) بن عمرو بن رفاعة النجاري (الأنصاري) رضي الله عنه (رجلا مزاحا) أي: كثير المزح والدعابة، (وكان يشرب) الخمر، (فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعليه، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم، فلما كثر ذلك منه قال له رجل من الصحابة: لعنك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل؛ فإنه يحب الله ورسوله) رواه البخاري من حديث عمر نحوه، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله . وقد تقدم ذلك قريبا في الآفة الثامنة، (قال: وكان) نعيمان المذكور (لا يدخل المدينة رسل ولا طرفة إلا اشترى منها، ثم جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا أهديته لك. فإذا جاء صاحبه يطلب نعيمان بثمنه) ، وفي نسخة: يتقاضاه بالثمن، (جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله، أعطه ثمن متاعه. فيقول له صلى الله عليه وسلم: أولم تهده لنا؟ فيقول: يا رسول الله، إنه والله لم يكن عندي [ ص: 503 ] ثمنه، وأحببت أن تأكل منه. فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بالثمن) ، قال العراقي : رواه الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة، ومن طريقه ابن عبد البر من رواية محمد بن عمرو بن حزم مرسلا. اهـ .

قلت: رواه من طريق أبي طوالة ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه .

وروى أبو يعلى في مسنده أن رجلا كان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها.. فذكره، وقال أيضا: كان يهدي إليه صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العسل، فإذا طولب بالثمن جاء بصاحبه فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أعطه متاعه. فما يزيد صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم ويأمر به، فيعطى .

(فهذه مطايبات يباح مثلها على الندور ) والقلة (لا على الدوام، والمواظبة عليها هزل مذموم، وسبب للضحك المميت للقلب) المورث للغفلة والقساوة، والإعراض عن ذكر الله، وعن التفكر في مهمات الدين، وغير ذلك مما سبق ذكر بعضه، والله الموفق .




الخدمات العلمية