الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة ، فقال : دعوني أنا أكفيكم ، فقال : يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال : وما حاجتك يا عم ، قال : أحب أن ترفع من إزارك ، فقال : نعم وكرامة ، فرفع إزاره ، فقال لأصحابه : لو أخذتموه بشدة لقال : لا ولا كرامة وشتمكم .

وقال محمد بن زكريا الغلابي: شهدت عبد الله بن محمد بن عائشة ليلة وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله ، وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض على امرأة فجذبها فاستغاثت ، فاجتمع الناس عليه يضربونه ، فنظر إليه ابن عائشة فعرفه فقال للناس : تنحوا عن ابن أخي ثم قال إلي يا ابن أخي فاستحى الغلام ، فجاء إليه فضمه إلى نفسه ، ثم قال له : امض معي فمضى معه حتى صار إلى منزله ، فأدخله الدار ، وقال لبعض غلمانه : بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به ، فلما أفاق ذكر له ما جرى فاستحيا منه وبكى، وهم بالانصراف ، فقال الغلام قد أمر أن تأتيه ، فأدخله عليه ، فقال له : أما استحييت لنفسك ، أما استحييت لشرفك ، أما ترى من ولدك فاتق الله ، وانزع عما أنت فيه فبكى الغلام منكسا رأسه ثم رفع رأسه ، وقال : عاهدت الله تعالى عهدا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ ولا لشيء مما كنت فيه ، وأنا تائب فقال : ادن مني فقبل رأسه ، وقال : أحسنت يا بني فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب عنه الحديث وكان ذلك ببركة رفقه ثم قال إن الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويكون معروفهم منكرا ، فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنالون به ما تطلبون .

وعن الفتح بن شخرف قال : تعلق رجل بامرأة وتعرض لها ، وبيده سكين لا يدنو منه أحد إلا عقره وكان الرجل شديد البدن فبينا الناس كذلك والمرأة تصيح في يده إذ مر بشر بن الحارث فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل على الأرض ومشى بشر فدنوا من الرجل وهو يترشح عرقا كثيرا ومضت المرأة لحالها ، فسألوه : ما حالك ، فقال : ما أدري ولكن حاكني شيخ ، وقال لي : إن الله عز وجل ناظر إليك وإلى ما تعمل ، فضعفت لقوله قدماي وهبته هيبة شديدة ، ولا أدري من ذلك الرجل ، فقالوا له هو : بشر بن الحارث ، فقال واسوأتاه كيف : ينظر إلي بعد اليوم وحم الرجل من يومه ومات يوم السابع فكذا كانت عادة أهل الدين في الحسبة ، وقد نقلنا فيها آثارا وأخبارا في باب البغض في الله والحب في الله من كتاب آداب الصحبة فلا نطول بالإعادة فهذا تمام النظر في درجات الحسبة وآدابها ، والله الموفق بكرمه، والحمد لله على جميع نعمه .

التالي السابق


(وقال حماد بن سلمة) بن دينار البصري الخراز قال ابن معين: ثقة، وقال شهاب بن المعمر البلخي: كان حماد يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم، تزوج سبعين امرأة، فلم يولد له توفي سنة 177 روى له الجماعة، والصواب حماد بن زيد كما هو نص الحلية (إن صلة بن أشيم) أبا الصهباء العدوي رحمه الله تعالى من تابعي البصريين ومشاهيرهم لقي عدة من الصحابة، وروى عن ابن عباس وغيره (مر عليه رجل أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة، فقال: دعوني أنا أكفيكم، فقال له: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك يا عم، قال: أحب أن نرفع من إزارك، فقال: نعم وكرامة، فرفع إزاره، فقال لأصحابه: لو أخذتموه بالشدة لقال: لا ولا كرامة وشتمكم) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا يوسف بن يعقوب النجيري حدثنا الحسن بن المثنى حدثنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا ثابت أن صلة وأصحابه مر بهم فتى يجر ثوبه فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بألسنتهم أخذا شديدا، فقال صلة: دعوني أكفكم أمره، فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قال: أحب أن ترفع إزارك، قال: نعم ونعم عين، فرفع إزاره، فقال صلة لأصحابه: هذا كان أمثل لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم .

(وقال) أبو بكر (محمد بن زكريا) بن دينار البصري (الغلابي) منسوب إلى غلاب ككتاب أحد أجداده كما قاله ابن الأثير : عروبي عن عبد الله بن رجاء الغداني وعنه سليمان بن أحمد الطبراني وغيره وقال الذهبي في الضعفاء قال الدارقطني: هو بصري يضع الحديث (شهدت عبد الله بن محمد) هكذا في النسخ وصوابه عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التميمي القرشي وقيل له (ابن عائشة) والعائشي والعيشي نسبة إلى عائشة بنت طلحة لأنه من ذريتها ثقة جواد مات سنة ثمان وعشرين ومائة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي (ليلة وقد خرج من المسجد بعد) صلاة (المغرب يريد منزله، وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض على امرأة فجذبها فاستغاثت بالناس، فاجتمع الناس عليه يضربونه، فنظر إليه ابن عائشة فعرفه فقال للناس: تنحوا عن ابن أخي قال إلي يا ابن أخي [ ص: 52 ] فاستحيا الغلام، فجاء إليه فضمه إلى نفسه، ثم قال له: امض فمضى معه حتى صار إلى منزله، فأدخله الدار، وقال لبعض غلمانه: بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني، فلما أفاق) من سكره (ذكر له ما جرى فاستحيا وبكى، وهم بالانصراف، فقال الغلام) الموكل به (قد أمر) رب المنزل (أن تأتيه، فأدخله عليه، فقال له: أما استحييت لنفسك، أما استحييت لشرفك، أما ترى من ولدك من أشياخ قريش فاتق الله، وانزع عما أنت فيه) من المعصية، (فبكى الغلام منكسا رأسه ثم رفع رأسه، وقال: عاهدت الله) عز وجل (عهدا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ) المسكر، (ولا لشيء مما كنت فيه، وأنا تائب) إلى الله تعالى، (فقال: ادن مني فقبل رأسه، وقال: أحسنت يا بني) إذ تبت إلى الله تعالى، (فكان الغلام بعد ذلك يلزمه) في مجالسه (ويكتب الحديث) وحسن حاله (فكان ذلك ببركة رفقه) معه، (ثم قال) ابن عائشة: (إن الناس يأمرون بالمعروف) وينهون عن المنكر (ويكون معروفهم منكرا، فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنالون به ما تطلبون) ، وقد جاء في حديث مرفوع عن عائشة: عليكم بالرفق، فإنه ما كان في شيء إلا زانه.

رواه مسلم وعند ابن لال من حديث معاذ: عليك بالرفق والعفو في غير ترك الحق.

(وعن الفتح بن شخرف) تقدمت ترجمته في كتاب العلم (قال: تعلق رجل بامرأة وتعرض لها، وبيده سكين لا يدنو منه أحد إلا عقره) أي ضربه بذلك السكين، (وكان الرجل شديد اليدين) أي صاحب قوة، (فبينا كذلك والمرأة تصيح في يده) ، وفي نسخة من شدة يده (إذ مر بشر بن الحارث) الحافي رحمه الله تعالى، (فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل إلى الأرض، ومضى بشر فدنوا من الرجل و) إذا هو (يترشح عرقا) كثيرا، (ومضت المرأة لحالها، فسألوه: ما حالك، فقال: ما أدري ولكن حاكني شيخ، وقال: إن الله ناظر إليك وإلى ما تعمل، فضعفت لقوله قدمي وهبته هيبة شديدة، ولا أدري من ذلك الرجل، فقالوا له: ذلك بشر بن الحارث، فقال: وا سوأتاه فكيف ينظر إلي بعد اليوم وحم الرجل من يومه) من شدة هيبته وخجله (ومات يوم السابع) رحمه الله تعالى، (فهكذا كانت عادة أهل الدين في الحسبة، وقد نقلنا فيه آثارا وأخبارا في باب البغض في الله والحب في الله من كتاب آداب الصحبة فلا نطول بالإعادة فهذا تمام النظر في درجات الاحتساب وآدابه، والله الموفق) .




الخدمات العلمية