الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا ينبغي أن يهمل النوافل في السفر فما يفوته من أبوابها أكثر مما يناله من الربح لا سيما وقد خفف الشرع عليه وجوز له أداءها على الراحلة كي لا يتعوق عن الرفقة بسببها .

وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب ولا يبالي بوقوع راتبة الظهر بعد العصر في الوقت المكروه ; لأن ما له سبب لا يكره في هذا الوقت وكذلك يفعل في المغرب والعشاء والوتر .

وإذا قدم أو أخر فبعد الفراغ من الفرض يشتغل بجميع الرواتب ويختم الجميع بالوتر .

وإن خطر له ذكر الظهر قبل خروج وقته فليعزم على أدائه مع العصر جميعا ، فهو نية الجمع ; لأنه إنما يخلو عن هذه النية إما بنية الترك أو بنية التأخير عن وقت العصر ، وذلك حرام والعزم عليه حرام. .

وإن لم يتذكر الظهر حتى خرج وقته إما لنوم أو لشغل فله أن يؤدي الظهر مع العصر ولا يكون عاصيا لأن السفر كما يشغل عن فعل الصلاة فقد يشغل عن ذكرها .

ويحتمل أن يقال : إن الظهر إنما تقع أداء إذا عزم على فعلها قبل خروج وقتها ولكن الأظهر أن وقت الظهر والعصر صار مشتركا في السفر بين الصلاتين ، ولذلك يجب على الحائض قضاء الظهر إذا طهرت قبل الغروب .

ولذلك ينقدح أن لا تشترط الموالاة ولا الترتيب بين الظهر والعصر عند تأخير الظهر أما إذا قدم العصر على الظهر لم يجز لأن ما بعد الفراغ من الظهر هو الذي جعل وقتا للعصر إذ يبعد أن يشتغل بالعصر من هو عازم على ترك الظهر أو على تأخيره .

وعذر المطر مجوز للجمع كعذر السفر .

التالي السابق


(ولا ينبغي أن يهمل النوافل في السفر) أي: الزوائد على الفريضة؛ ولذلك تطلق على السنن أيضا، (فما يطوله من ثوابها أكثر مما يناله من الربح لاسيما وقد خفف الشرع عليه وجوز له أداءها على الراحلة كيلا يتعوق) أي: يتأخر (عن الرفقة) إذ لو أمر بالنزول للصلاة فاتته الرفقة (وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب) أي: يصلي السنن أولا ثم الفريضتين ثم ركعتي الظهر البعدية (ولا يبالي بوقوع راتبة الظهر بعد العصر في وقت المكروه; لأن ما له سبب لا يكره في هذا الوقت) كما تقدم في كتاب الصلاة، (وكذلك يفعل في المغرب والعشاء والوتر إذا [ ص: 434 ] قدم وأخر) أي: يصلي الفريضتين (فبعد الفراغ من الفرض يشتغل بجميع الرواتب) من سنة المغرب ثم سنة العشاء (ويختم الجميع بالوتر وإن خطر له ذكر الظهر قبل خروج وقته فليعزم على أدائه مع العصر جميعا، فهو نية الجمع; لأنه إنما يخلو عن هذه النية إما بنية الترك أو بنية التأخير عن وقت العصر، وذلك حرام والعزم عليه حرام .

وإن لم يتذكر الظهر حتى خرج وقته) أو ضاق بحيث لم يبق معه ما يكون للصلاة فيه أداء (إما لنوم) غلب عليه (أو لشغل) عرضه (فله أن يؤدي الظهر مع العصر ولا يكون عاصيا) لله تعالى؛ (لأن السفر كما يشغل عن فعل الصلاة فقد يشغل عن ذكرها) ، وإن تذكر إلا أنه لم ينو تأخيره بنية الجمع حتى خرج الوقت أو ضاق يكون عاصيا وتكون الأولى قضاء; لأنه يجب في وقت الأولى كون التأخير بنية الجمع كما صرح به الأصحاب (ويحتمل أن يقال: إن الظهر إنما تقع أداء إذا عزم على فعلها قبل خروج وقتها) فإن لم يعزم كذلك وقعت قضاء؛ (لأن الأظهر أن وقت الظهر والعصر صار مشتركا في السفر بين الصلاتين، ولذلك يجب على الحائض قضاء الظهر إذا طهرت من الحيض) على ما مر تفصيله في كتاب أسرار الطهارة (ولذلك ينقدح أن لا يشترط الموالاة ولا الترتيب بين الظهر والعصر عند تأخير الصلاة) ، وبذلك صرح الرافعي بقوله: فلو جمع الثانية لم يشترط الترتيب ولا الموالاة ولا نية الجمع حال الصلاة على الصحيح .

(أما إذا قدم العصر على الظهر لم يجز) تقديمه (لأن ما بعد الفراغ من الظهر هو الذي جعل وقتا للعصر إذ يبعد أن يشتغل بالعصر من هو عازم على ترك الظهر أو على تأخيره) فإن بدأ بالعصر وجب إعادتها بعد الأولى كما تقدم (وعذر المطر) سواء كان قويا أو ضعيفا إذا بل الثوب (مجوز للجمع) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء (كعذر السفر) ، وفي وجه أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب دون الظهر والعصر، وهو ضعيف حكاه إمام الحرمين، وهو مذهب مالك، وقال المزني: لا يجوز مطلقا والثلج والبرد إن كانا يذوبان فكالمطر وإلا فلا، وفي وجه شاذ لا يرخصان بحال، ثم هذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يأتيه من بعد ويتأذى بالمطر في إتيانه، فأما من يصلي في بيته منفردا أو في جماعة أو مشى إلى المسجد في كن أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في بيوتهن أو حضر جمع الرجال في المسجد وصلوا أفرادا فلا يجوز الجمع على الأصح، وقيل: الأظهر ثم إن أراد الجمع في وقت الأولى فشروطه كما تقدمت في جمع السفر، وهو إن أراد تأخير الأولى إلى الثانية كالسفر لم يجز على الأظهر الجديد، ويجوز على القديم فإذا جوزناه فقال العراقيون يصلي الأولى مع الثانية سواء اتصل المطر أو انقطع. وقال في التهذيب إذا انقطع قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع ويصلي الأولى في آخر وقتها كالمسافر إذا أخر بنية الجمع ثم أقام قبل دخول وقت الثانية ومقتضى هذا أن يقال: لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها انقطع الجمع وصارت الأولى قضاء كما لو صار مقيما، وأما إذا جمع في وقت الأولى فلا بد من وجود المطر في أول الصلاتين ويشترط أيضا وجوده عند التحلل من الأولى على الأصح الذي قاله أبو زيد، وقطع به العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم، والثاني لا يشترط، ونقله في النهاية عن معظم الأصحاب ولا يضر انقطاعه فيما سوى هذه الأحوال الثلاث، هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب في طريقهم، وذكر ابن كج عن بعض الأصحاب أنه إن افتتح الصلاة الأولى ولا مطر ثم أمطرت في أثنائها ففي جواز الجمع القولان في نية الجمع في أثناء الأولى، واختار ابن الصباغ هذه الطريقة، والصحيح المشهور ما قدمناه .



(فصل)

المعروف في المذهب أنه لا يجوز الجمع بالمرض ولا الخوف ولا الوحل، وقال جماعة من الأصحاب يجوز بالمرض والوحل، وممن قاله أبو سليمان والخطابي والقاضي حسين واستحسنه الروياني وأيده النووي، وقال: هو ظاهر مختار، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وقد حكى الخطابي عن القفال الكبير عن أبي إسحاق المروزي جواز الجمع في الحضر للحاجة من غير اشتراط الخوف والمطر والمرض وبه قال ابن المنذر، والله أعلم .




الخدمات العلمية