الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكذا الجرموق الضعيف .

التالي السابق


(وكذا الجرموق الضعيف) فإنه لا يجوز المسح عليه; لأن الحاجة لا تدعو إليه في الغالب فلا تتعلق به الرخصة، ولأن البدل لا يكون له بدل، قال الرافعي في الشرح الكبير: الجرموق هو الذي يلبس فوق الخف لشدة البرد غالبا، فإذا لبس جرموقا فوق خفه فله أربعة أحوال أحدها أن يكون الأعلى صالحا للمسح دون الأسفل لضعفه أو تخرقه فالمسح على الأعلى خاصة الثاني عكسه، فالمسح على الأسفل خاصة فلو مسح الأعلى فوصل البلل إلى الأسفل فإن قصد مسح الأسفل أجزأ، وكذا إن قصدهما على الصحيح وإن قصد الأعلى لم يجز وإن لم يقصد واحدا بل قصد المسح في الجملة أجزأه على الأصح لقصده إسقاط فرض الرجل بالمسح. الثالث أن لا يصلح واحد منهما فيتعذر المسح. الرابع أن يصلحا كلاهما، ففي المسح على الأعلى وحده قولان القديم والإملاء جوازه، الجديد منعه. قال النووي قلت: الأظهر عند الجمهور الجديد وصححه القاضي أبو الطيب في شرح الفروع، والله أعلم .

فإن جوزنا المسح على الجرموق فقد ذكر ابن سريج ثلاثة معان أظهرها أنها كخف واحد، فالأعلى ظهارة والأسفل بطانة، وتتفرع على المعاني مسائل منها ما لو لبسهما معا على طهارة فأراد الاقتصار على مسح الأسفل جاز على المعنى الأول دون الآخرين، ومنها ما لو لبس الأسفل على طهارة والأعلى على حدث، ففي جواز المسح على الأعلى طريقان: أحدهما لا يجوز، وأصحهما فيه وجهان، وإن قلنا بالمعنى الأول أو الثاني لم يجز وبالثالث يجوز، ولو لبس الأسفل بطهارته ثم أحدث ومسحه ثم لبس الجرموق فهل يجوز مسحه؟ فيه طريقان: أحدهما ينبني على المعاني إن قلنا بالأول أو الثالث جاز وبالثاني لا يجوز، وقيل: ينبني الجواز على هذا الثاني على أن مسح الخفين برفع الحدث أم لا؟ إن قلنا: يرفع جاز وإلا فلا، والطريق الثاني القطع بالبناء على رفع الحدث وإذا جوزنا مسح الأعلى في هذه المسألة قال الشيخ أبو علي: ابتداء المدة من حين أحدث أو لبسه الأسفل وفي جواز الاقتصار على الأسفل الخلاف السابق، ومنها هو لبس الأسفل على حدث وغسل رجله ثم لبس الأعلى على طهارة كاملة، فلا يجوز مسح الأسفل قطعا ولا مسح الأعلى، إن قلنا بالمعنى الأول والثالث والثاني، يجوز منهما ما لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعا أو نزعه منهما بعد مسحه وبقي الأسفل بحاله، فإن قلنا بالمعنى الأول لم يجب نزع الأسفل، بل يجب مسحه وهل يكفيه مسحه أو يجب استيعاب الوضوء، فيه القولان في نازع الخفين، وإن قلنا بالمعنى الثالث فلا شيء عليه، وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين، وفي استئناف الوضوء القولان فحصل من الخلاف في المسألة خمسة أقوال: أحدها: لا يجب شيء، والثاني يجب مسح الأسفل فقط، والثالث يجب المسح واستئناف الوضوء، والرابع يجب مسح الخف وغسل الرجلين، والخامس يجب ذلك مع استئناف الوضوء، ومنها لو تخرق الأعلى من أحد الرجلين أو نزعه، فإن قلنا بالمعنى الثالث فلا شيء عليه، وإن قلنا بالثاني وجب نزع الأسفل أيضا من هذه الرجل وجب نزعهما من الرجل الأخرى وغسل القدمين وفي استئناف الوضوء القولان، وإن قلنا بالمعنى الأول فهل يلزمه نزع الأعلى [ ص: 419 ] من الرجل الأخرى وجهان أصحهما نعم كمن نزع أحد الخفين، فإذا نزعه عاد القولان في أنه يجب استئناف أم يكفيه مسح الأسفل، والثاني لا يلزمه نزع الثاني وفي واجبه القولان: أحدهما: مسح الأسفل الذي نزع أعلاه، والثاني: استئناف الوضوء ومسح هذا الأسفل والأعلى من الرجل الأخرى، ومنها لو تخرق الأسفل منها لم يفسد على المعاني كلها، ولو تخرق من إحداهما فإن قلنا بالمعنى الثاني أو الثالث فلا شيء، وإن قلنا بالأول وجب نزع واحد من الرجل الأخرى لئلا يجمع بين البدل والمبدل. قاله في التهذيب. ثم إذا نزع ففي واجبه القولان: أحدهما مسح الخف الذي نزع الأعلى من فوقه، والثاني: استئناف الوضوء والمسح عليه وعلى الأعلى الذي تخرق الأسفل تحته .

ومنها لو تخرق الأسفل والأعلى من الرجلين أو من أحدهما لزمه نزع الجميع على المعاني كلها، ومنها لو تخرق الأعلى من رجل والأسفل من الأخرى فإن قلنا بالثالث فلا شيء عليه وإن قلنا بالأول نزع الأعلى المتخرق وأعاد مسح ما تحته وهل يكفيه ذلك أم يجب استئناف الوضوء ماسحا عليه وعلى الأعلى من الرجل الأخرى، فيه القولان هذا تفريع على جواز مسح الجرموق فإن منعناه فأدخل يده بينها ومسح الخف الأسفل جاز على الأصح، ولو تخرق الأسفلان فإن كان عند التخريق على طهارة لبسه الأسفل ومسح الأعلى لأنه صار لخروج الأسفل عن صلاحيته للمسح، وإن كان محدثا لم يجز مسح الأعلى كاللبس على حدث، وإن كان على طهارة مسح، فوجهان أما إذا لبس جرموقا في رجل واقتصر على الخف في الأخرى، فعلى الجديد لا يجوز مسح الجرموق وعلى القديم ينبني على المعاني الثلاث فعلى الأول يجوز كما لا يجوز المسح في خف وغسل الرجل الأخرى، وعلى الثالث يجوز، وكذا على الثاني على الأصح قال النووي فإذا جوزنا المسح على الجرموق فكذا إذا لبس ثانيا وثالثا، ولو لبس الخف فوق الجبيرة لم يجز المسح على الأصح، والله أعلم .



(فصل)

وقال أصحابنا: ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه إذا لبسهما قبل أن يحدث فإذا حدث قبله وهو لابس الخف لا يجوز; لأن وظيفة المسح استقرت للخف لحلول الحدث، فلا يزال بمسح غيره، وكذا لو لبس الجرموقين قبل الحدث ثم أحدث فأدخل يديه فمسح خفيه لا يجوز مسح في غير محل الحدث، ولو مسح أحد جرموقيه بعد المسح عليهما وجب مسح الخف البادئ وإعادة المسح على الجرموق لانتقاض وظيفتها كنزع أحد الخفين، وفي بعض روايات الأصل ينزع الآخر ويمسح على الخفين، وإن كان الجرموقان من كرباس لا يجوز المسح عليه لأنه لا يمكن متابعة المشي عليه فصار كاللفافة إلا أن تنفذ البلة للخف قدر الواجب لحصول المقصود .

ودليل الإمام ما رواه أحمد من حديث بلال -رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجرموقين والخمار. ولأبي داود: كان يخرج فيقضي حاجته فآتيه بالماء فيمسح على عمامته وجرموقيه.

قال الجوهري والمطرزي: الجرموق خف قصير يلبس فوق الخف فارسي معرب، وقال زفر من أصحابنا: يمسح على الخف المنزوع جرموقه وليس عليه في الآخر شيء; لأن المسح باق في غير المنزوع، وأجيب بأن طهارة الرجلين لا تتجزأ إذ هما وظيفة واحدة، ولهذا لا يجوز أن يغسل إحداهما ويمسح الأخرى، فإن انتقض في إحداهما كنزعهما لعدم التجزي فصار كنزع الخفين حيث يجب عليه نزع الآخر .




الخدمات العلمية