الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السابع : أن لا ينزل حتى يحمي النهار فهي السنة ويكون أكثر سيره بالليل .

قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار .

ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ، ورب البحار وما جرين أسألك ، خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شر هذا المنزل وشر ما فيه ، اصرف عني شر شرارهم .

فإذا نزل المنزل فليصل فيه ركعتين ثم ليقل اللهم إني : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق .

فإذا جن عليه الليل فليقل : يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك ومن شر ما فيك وشر ما دب عليك ، أعوذ بالله .

من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكني البلد ووالد وما ولد وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ومهما علا شرفا من الأرض في وقت السير فينبغي أن يقول : اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال .

التالي السابق


(السابع: أن لا ينزل) عن دابته (حتى يحمي النهار) وذلك عند ارتفاع الشمس من مشرقها (فهو السنة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. قال -صلى الله عليه وسلم-: عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل) الدلجة بالضم سير آخر الليل، ويجوز في اللغة بالفتح، وهو سير الليل كله وليس بمراد هنا، والإدلاج بالتخفيف سير الليل كله والدلجة بالفتح اسم منه والادلاج بالتشديد سير آخر الليل، والدلجة بالضم اسم منه فهذا هو الأكثر، وقيل: يقال فيهما بالتخفيف والتشديد .

أخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن عن جابر مرفوعا، وأخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن يزيد، وأخرجه ابن السني عن النسائي ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع عن جابر عند الأكثر، ورواه أبو داود وابن خزيمة وأبو نعيم في الحلية والبيهقي والحاكم من حديث أنس وعند البخاري من حديث أبي هريرة فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، وهذا الحديث قد تقدم للمصنف في الباب الثاني في كتاب أسرار الحج، وقوله: (ما لا تطوى بالنهار) وهو صحيح في المعنى لكن ما رأيته في رواية من روايات هذا الحديث .

(ومهما أشرف على المنزل) يريد نزوله (فليقل) هذه الكلمات: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن) أي: حملن (ورب الشياطين وما أضللن) أي: أغوين (ورب الرياح وما ذرين، ورب البحار وما جرين، أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شر هذا المنزل وشر ما فيه، اصرف عني شر شرارهم) قال الطبراني في الدعاء: حدثنا القاسم بن عباد، وحدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، وحدثنا عبد الله بن محمد العمري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني حفص عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعبا حلف بالله الذي فلق البحر لموسى -عليه السلام- أن صهيبا -رضي الله عنه- حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم [ ص: 407 ] رب السموات.... إلخ وفيه نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها وقال كعب: إنها دعوة داود -عليه السلام- حين يرى العدو وهذا حديث حسن وأخرجه المحاملي في الدعاء عن أحمد بن منصور عن سويد بن سعيد وأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من رواية عبد الله بن وهب عن حفص بن ميسرة، وأخرجه ابن السني من طريق محمد بن أبي السري عن حفص، ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة فزاد في السند رجلا قبل كعب.

قال المحاملي في الدعاء: حدثنا الحسن بن محمد يعني الزعفراني، والعباس بن محمد يعني الدورقي، وإبراهيم بن هانئ قالوا، حدثنا سعيد بن عبد الحميد، حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى عن عطاء عن أبيه أن عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي حدثه قال: قال كعب... فذكر الحديث بطوله .

أخرجه النسائي عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، وأشار إلى ضعف هذه الزيادة .

وقد روي من وجه آخر عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي مغيث، أخرجه النسائي عن إبراهيم بن يعقوب عن أبي جعفر النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق وقال: حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي مغيث بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف على خيبر فقال لأصحابه: قفوا، ثم قال: اللهم رب السموات السبع وما أظللن، فذكر الحديث وأخرجه الطبراني عن أبي شعيب الحراني عن النفيلي ووقع في روايته وقال لأصحابه: قفوا، فوقفوا وأنا فيهم، وهذا يدل على صحبة أبي مغيث، فكان الحديث عن أبي مروان بسندين هذا والماضي، وهو كعب عن صهيب، وقد جاء الحديث من وجه آخر عن أبي مروان قال فيه عن أبيه عن جده .

قال المحاملي في الدعاء: أحمد بن عثمان الدقاق المعروف بابن أخي سمي في جزئياته، حدثنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن بكير عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري عن صالح ابن كيسان عن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا وأشرفنا عليها قال للناس: قفوا، فوقفوا وقال: اللهم رب السموات السبع. فذكر الحديث مثل اللفظ الأول إلا الرياح زاد في آخره: أقدموا باسم الله، ومدار هذا الحديث على أبي مروان وقد اختلف فيه فذكره الطبراني في الصحابة وذكره الأكثر في التابعين وذكره ابن حبان في أتباع التابعين، وعلى القول الأول تكون روايته عن كعب من رواية الصحابة عن التابعين وهي قليلة، وروي أيضا من حديث ابن عمر وفي آخره زيادة، قال الطبراني في الدعاء، حدثنا الحسن بن علي العمري ومحمد بن علي الطرائفي قالا: حدثنا علي بن ميمون الرقي، حدثنا سعيد بن مسلمة، حدثنا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا خرجتم من بلدكم إلى بلد تريدونها فقولوا: اللهم رب السموات وما أظللن. فذكر مثل الحديث الماضي أولا، لكن بالإفراد فيها وزاد: ورب الجبال أسألك خير هذا المنزل وخير ما فيه، وأعوذ بك من شر هذا المنزل وشر ما فيه، اللهم ارزقنا جناه، واصرف عنا وباه، وأعطنا رضاه، وحببنا إلى أهله وحبب أهله إلينا.

(فإذا نزل المنزل فليصل فيه ركعتين) فقد روى البيهقي من حديث أنس: كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه ركعتين، وعند الطبراني من حديث فضالة بن عبيد كان إذا نزل منزلا في سفر ودخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين، (ثم ليقل: أعوذ بكلمات الله التامات) وفي بعض النسخ: اللهم إني أعوذ بك وبكلماتك (التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلقت) قال المحاملي في الدعاء: حدثنا إبراهيم بن هانئ، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد عن زيد بن أبي حبيب عن الحارث بن يعقوب أن يعقوب بن عبد الله بن الأشج حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- حدثه قال: سمعت خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- تقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله، هذا حديث صحيح أخرجه مالك بلاغا عن يعقوب، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، وأخرجه مسلم أيضا عن محمد بن رمح كلاهما عن الليث، وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أحمد بن يوسف ومحمد بن أحمد [ ص: 408 ] وإبراهيم بن عبد الله، وإبراهيم بن محمد، ومحمد بن إبراهيم قال الأول: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، وقال الثاني: حدثنا الحسن بن سفيان، وقال الثالث والرابع: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، وقال الخامس: حدثنا محمد بن زياد حدثنا محمد بن رمح، حدثنا الليث، وليس لخولة في الصحيحين حديث غيره، ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الرحمن بن عابس، وأخرج أبو الشيخ في الثواب بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه- رفعه: من قال حين يصبح: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، عصم من شر الثقلين الإنس والجن، وإن لدغ لم يضره شيء حتى يمسي وإن قالها حين يمسي كان كذلك حتى يصبح.

(فإذا جن عليه الليل فليقل: يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من كل أسد) وهو حيوان معروف (وأسود) وهو الشخص، وقيل: العظيم من الحيوانات وفيه سواد، ويكون تخصيصها بالذكر لخبثهما (وحية وعقرب) وذكر الحية بعد الأسود على المعنى الثاني فيه تعميم بعد تخصيص، (ومن ساكن البلد) قال الخطابي: هم الجن الذين هم سكان الأرض ما كان مأوى الحيوان بها وإن لم يكن فيه بناء ومنازل (ووالد وما ولد) المراد بالوالد إبليس وبما ولد الشيطان .

قال الخطابي: ( وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ) أخرج أبو داود واللفظ له من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك، وأعوذ بك من أسد وأسود ومن الحية والعقرب، وساكن البلد ووالد وما ولد. رواه أيضا النسائي في الكبرى والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد وفي رواية للنسائي: وأعوذ بالله من أسد.

(ومهما علا نشزا) محركة وهو ما ارتفع (من الأرض في وقت السير فينبغي أن يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال) . قال الطبراني في الدعاء: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عمارة بن زاذان عن زياد النميري عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر فصعد أكمة قال: اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال. وأخرجه المحاملي في الدعاء عن محمد بن إشكاب عن عمارة به بلفظ: إذا صعد نشزا من الأرض أو أكمة. وأخرجه كذلك أحمد وابن السني من رواية عمارة وهو ضعيف، وفي شيخه ضعف أيضا .




الخدمات العلمية