الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ذكر حجج المائلين إلى تفضيل العزلة .

احتجوا بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي الآية ثم قال تعالى : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا إشارة إلى أن ذلك ببركة العزلة .

وهذا ضعيف؛ لأن مخالطة الكفار لا فائدة فيها إلا دعوتهم إلى الدين .

وعند اليأس من إجابتهم فلا وجه إلا هجرهم وإنما الكلام في مخالطة المسلمين وما فيها من البركة لما روي أنه قيل يا رسول الله : الوضوء من جر مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يتطهر منها الناس فقال : بل من هذه المطاهر التماسا لبركة أيدي المسلمين .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت عدل إلى زمزم ليشرب منها فإذا التمر المنقع في حياض الأدم وقد مغثه الناس بأيديهم وهم يتناولون منه ويشربون فاستسقى منه وقال اسقوني : فقال العباس إن هذا النبيذ شراب قد مغث وخيض بالأيدي أفلا آتيك بشراب أنظف من هذا من جر مخمر في البيت ، فقال اسقوني : من هذا الذي يشرب منه الناس ألتمس بركة أيدي المسلمين فشرب منه .

التالي السابق


(ذكر حجج المائلين إلى تفضيل العزلة) ووجه ضعفها .

(احتجوا بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم) -عليه السلام-: ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) [ ص: 338 ] أي: الأصنام ( وأدعو ربي الآية) استظهر بالعزلة على قومه (ثم قال -عز وجل-: فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا إشارة إلى أن ذلك ببركة العزلة وهذا) الاحتجاج (ضعيف؛ لأن مخالطة الكفار لا فائدة فيها إلا دعوتهم إلى الدين) وإرشادهم إلى التوحيد (وعند اليأس عن إجابتهم فلا وجه إلا هجرتهم وإنما الكلام في مخالطة المسلمين وما فيها من البركة) والفوائد .

(إذ روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قيل له: الوضوء من جر مخمر) أي: مغطى (أحب إليك أم من هذه المطاهر التي يطهر منها الناس) قال في المصباح: كل إناء يتطهر به مطهرة والجمع المطاهر (فقال: بل من هذه المطاهر التماسا لبركة أيدي المسلمين) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وفيه ضعف اهـ .

قلت: قال ابن أبي شيبة في المصنف: باب في المطاهر التي توضع للمسجد، حدثنا حفص عن ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس أنه صنع هذه المطهرة وقد علم أنه يتوضأ منه الأسود والأبيض، وحدثنا وكيع عن عصمة بن وائل عن أبيه عن أبي هريرة أنه توضأ من المطهرة، وحدثنا وكيع عن سفيان عن مزاحم قال: قلت: للشعبي أكوز عجوز مخمر أحب إليك أن توضأ منه أو المطهرة التي يدخل فيها الخراز يده؟ قال: من المطهرة التي يدخل فيها الخراز يده.

(وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- لما طاف بالبيت) أي: فرغ من طوافه (عدل إلى زمزم ليشرب منها) أنث الضمير على إرادة العين (فإذا التمر المنتقع في حياض الأدم قد مغثه الناس) أي: مرسوه ودلكوه (بأيديهم وهم يتناولون منه ويشربون) والمعنى أنهم قد وسخوه لما خالطته أيديهم (فاستسقى منه وقال: اسقوني فقال العباس) بن عبد المطلب -رضي الله عنه- (إن هذا النبيذ شراب قد مغث) أي: مرس ودلك (وخيض بالأيدي أفلا آتيك بشراب أنظف من هذا في جر مخمر) أي: مغطى (في البيت، فقال: اسقوني من هذا الذي يشرب الناس منه ألتمس بركة يد المسلمين فشرب منه) .

قال العراقي: رواه الأزرقي من حديث ابن عباس بسند ضعيف، ومن رواية طاوس مرسلا نحوه اهـ .

قلت: لفظ الأزرقي عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستقى فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشراب من عندها فقال: اسقني، فقال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، فقال: اسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون عليها فقال: اعلموا أنكم على عمل صالح. الحديث. وفي رواية: هذا شراب قد مرث ومغث أفلا نسقيك لبنا وعسلا؟ فقال: اسقونا مما تسقون به المسلمين. وفي رواية قال: اسقوني من النبيذ، فقال العباس: إن هذا شراب قد مغث ومرث وخالطته الأيدي ووقع فيه الذباب وفي البيت شراب هو أصفى منه فقال: منه فاسقني، يقول: ذلك ثلاث مرات فسقاه منه، كذا أخرجهما الأزرقي في تاريخه وأخرج معناهما سعيد بن منصور عن عاصم عن الشعبي وذكر الملأ في سيرته قوله: إنهم يجعلون أيديهم فيه، فقال: اسقني لأتبرك بأكف المسلمين. ذكره المحب الطبري في كتاب أفضل القرى قال: وذكر ابن حزم أن ذلك كله كان يوم النحر، وفيه دلالة على أنه لا ينبغي أن يتقذر ما يجعل الناس أيديهم فيه .




الخدمات العلمية