الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر ، والسماوات مطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته وأنه المنفرد بالخلق والاختراع ، المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا يشذ عن قبضته مقدور ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور لا تحصى مقدوراته ولا تتباهى معلوماته .

التالي السابق


(والعزة) أي: المنعة (والجبروت) أي: العظمة (له السلطان) أي: القوة (والقهر) أي: الغلبة (والخلق والأمر، والسموات) وما فيها (مطويات) أي: ملفوفات (بيمينه) أي: قدرته (والخلائق) أجمعون (مقهورون في قبضته) وقهره، وهو الغالب على كل شيء، ولا يغلبه شيء (وأنه المتفرد بالخلق والاختراع، المتوحد بالإيجاد والإبداع) أشار بذلك إلى وحدانية الأفعال، وهي تنفي أن يكون فعل أو اختراع أو إيجاد أو إبداع لغيره تعالى من الممكنات، وأما وحدانية الذات التي هي عبارة عن سلب التعدد في الذات والصفات والأفعال، ووحدانية الصفات، وهي نفي التعدد المتصل والمنفصل، فقد أشار بذلك أولا، وكل من الخلق والاختراع والإيجاد والإبداع خص بالمولى -عز وجل- إلا أن الخلق هو الإيجاد مطلقا، والاختراع هو الإيجاد لا على مثال سابق، فلذلك قال: (خلق الخلق) بقدرته (و) خلق (أعمالهم) ، لقوله تعالى: والله خلقكم وما تعملون ، والخلق هو إنشاء الشيء واختراعه وإحداثه من العدم إلى الوجود، وهذا لا يكون إلا من الله -عز وجل- عند أهل الحق، وعلى هذا يحمل غالب ما في القرآن من هذا اللفظ إلا ما شذ فيه بمعنى التقدير والتصوير .

(وقدر أرزاقهم) وأقواتهم وأعطاهم منها ما قدره لهم (و) قدر (آجالهم) وهي المدد التي ينتهون إليها، فالمقدر بهذا المعنى من أوصافه الفعلية دون الأزلية (لا يشذ) أي: لا يخرج (عن قبضته) القاهرة (مقدور) ؛ لكمال قهره (ولا يعزب) أي: لا يغيب (عن قدرته) الباهرة (تصاريف الأمور) وتدبيراتها (لا تحصى مقدوراته) ؛ فإن كل ما صح حدوثه وتوهم كونه ولم يستحل في العقل وجوده، فالله تعالى قادر على إيجاده وإحداثه، فإذا مقدوراته لا تحصى (ولا تتناهى معلوماته) أي: لا تدخل تحت العد والإحصاء؛ لأن علمه محيط بها جملة وتفصيلا .




الخدمات العلمية