الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن ذلك الورع عن متروك التسمية وإن لم يختلف فيه قول الشافعي رحمه الله لأن الآية ظاهرة في إيجابها .

التالي السابق


(ومن ذلك الورع عن) أكل (متروك التسمية) من الذبائح (وإن لم يختلف فيه قول الشافعي ) رحمه الله تعالى، فإنه قال: يجوز أكلها إذا ترك التسمية عليها سهوا أو عمدا، وقال أبو حنيفة : إن ترك الذابح التسمية عمدا، فالذبيحة ميتة لا تؤكل، وإن تركها ناسيا أكلت، ومذهب مالك في الذبيحة كمذهبه في الصيد على ما يأتي بيانه، وقال أحمد : إن ترك التسمية على الذبيحة عمدا لم تؤكل، وإن تركها سهوا، فروايتان إحداهما لا تؤكل كالصيد، والأخرى تؤكل، واختلفوا فيما إذا ترك التسمية على رمي الصيد أو إرسال الكلب ، فقال أبو حنيفة : إن ترك التسمية في الحالين ناسيا حل الأكل منه، وإن تعمد تركها لم يبح، وقال مالك : إن تعمد تركها لم يبح في الحالين، وإن تركها ناسيا في الحالين، فهل يباح أم لا؟ فيه عنه روايتان، وعنه رواية ثالثة أنه يحل أكلها على الإطلاق سواء تركها عمدا أو نسيانا .

وقال عبد الوهاب في مذهب أصحاب مالك فيما ظهر عنهم أن تارك التسمية عامدا أو غير متأول لم تؤكل ذبيحته، ومنهم من يقول إنها سنة، ومنهم من يقول: إنها شرط مع الذكر. وقال الشافعي : إن تركها عامدا أو ناسيا في الحالتين يحل الأكل منه، وعن أحمد ثلاث روايات أظهرها أنه من ترك التسمية على إرسال الكلب أو الرمي لم يحل الأكل منه على الإطلاق سواء كان تركه التسمية عمدا أو سهوا، والرواية الثانية: إن تركها ناسيا حل أكله، وإن كان عامدا لم يحل أكله، كمذهب أبي حنيفة . والثالثة: إن تركها على إرسال السهم ناسيا أكل، وإن تركها ناسيا على إرسال الكلب والفهد لم يؤكل، ثم احتج المصنف للورع فقال: (لأن الآية ظاهرة في إيجابها) أي: التسمية، ويعني بها قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ، وحاول البيهقي نقض ذلك فعقد بابا ذكر فيه سبب نزولها حيث قال: ذكر فيه عن ابن عباس أن سبب نزولها قول اليهود: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله .

قلت: الصحيح المشهور أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وأيد ذلك ما ورد في ظاهر الأخبار على ما يأتي بيانها، والأصل تحريم الميتة، وما خرج عن ذلك إلا ما كان مسمى عليه، فغيره يبقى على أصل التحريم داخلا تحت النص المحرم للميتة، وفي الموطأ أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة، فلما أراد أن يذبح قال له: سم، فقال الغلام: قد سميت، فقال له: سم الله، ويحك، قال: قد سميت الله، قال ابن عياش : والله لا أطعمها أبدا .

قال صاحب الاستذكار: هذا واضح في أن من ترك التسمية عمدا لم تؤكل ذبيحته، وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة، وأصحاب الحسن بن حي وإسحاق، ورواية عن ابن حنبل ، ثم ذكر البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ، قال: يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم فكلوه، فأنزل الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .




الخدمات العلمية