ولكن إلى حد معلوم فقد قال صلى الله عليه وسلم : والورع حسن والمبالغة فيه أحسن فليحذر من أمثال هذه المبالغات ، فإنها وإن كانت لا تضر صاحبها ربما أوهم عند الغير أن مثل ذلك مهم ثم يعجز عما هو أيسر منه فيترك أصل الورع وهو مستند أكثر الناس في زماننا هذا إذا ضيق عليهم الطريق فأيسوا عن القيام به فاطرحوه فكما أن الموسوس في الطهارة قد يعجز عن الطهارة فيتركها فكذا بعض هلك المتنطعون سبق إلى أوهامهم أن مال الدنيا كله حرام فتوسعوا فتركوا التمييز وهو عين الضلال . الموسوسين في الحلال
وأما مثال اللواحق فهو كل تصرف يفضي في سياقه إلى معصية وأعلاه بيع العنب من الخمار وبيع الغلام من المعروف بالفجور بالغلمان وبيع السيف من قطاع الطريق .
وقد اختلف العلماء في صحة ذلك ، وفي حل الثمن المأخوذ منه .
والأقيس أن ذلك صحيح ، والمأخوذ حلال ، والرجل عاص بعقده كما يعصي بالذبح بالسكين المغصوب ، والذبيحة حلال ولكنه يعصي ، عصيان الإعانة على المعصية إذ لا يتعلق ذلك بعين العقد ، فالمأخوذ من هذا مكروه كراهية شديدة ، وتركه من الورع المهم ، وليس بحرام ويليه في الرتبة بيع العنب ممن يشرب الخمر ولم يكن خمارا وبيع السيف ممن يغزو ويظلم أيضا لأن الاحتمال قد تعارض .