وبالجملة . إنما تنفك الدنيا عن الحرام إذا عصم الخلق كلهم عن المعاصي وهو محال
، وإذا لم يشترط هذا في الدنيا لم يشترط أيضا في بلد إلا إذا وقع بين جماعة محصورين بل اجتناب هذا من ورع الموسوسين إذا لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة ولا يتصور الوفاء به في ملة من الملل ولا في عصر من الأعصار .
فإن قلت فكل عدد محصور في علم الله .
فما حد المحصور ؟ ولو أراد الإنسان أن يحصر أهل بلد لقدر عليه أيضا إن تمكن منه فاعلم أن تحديد أمثال هذه الأمور غير ممكن وإنما يضبط بالتقريب .
فنقول : كل عدد لو اجتمع على صعيد واحد لعسر على الناظر عدهم بمجرد النظر كالألف والألفين ، فهو غير محصور وما سهل كالعشرة والعشرين فهو محصور ، وبين الطرفين أوساط متشابهة تحلق بأحد الطرفين بالظن وما وقع الشك فيه استفتى فيه القلب فإن الإثم حزاز القلوب .
وفي مثل هذا المقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة . استفت قلبك ، وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك
وكذا الأقسام الأربعة التي ذكرناها في المثال الأول يقع فيها أطراف متقابلة واضحة في النفي والإثبات وأوساط متشابهة ، فالمفتي يفتي بالظن ، بينه وبين الله ، فلا ينجيه في الآخرة فتوى المفتي فإنه يفتي بالظاهر ، والله يتولى السرائر . وعلى المستفتي أن يستفتي قلبه فإن حاك في صدره شيء ، فهو الآثم