الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : أن يستقصي وصف هذه الأمور القابلة للوصف ، حتى لا يبقى وصف تتفاوت به القيمة تفاوتا لا يتغابن بمثله الناس إلا ذكره .

فإن ذلك الوصف هو القائم مقام الرؤية في البيع .

التالي السابق


والنوع الرابع: المختلطات خلقة، كالشهد، وفي السلم فيه وجهان: أحدهما: المنع; لأن الشمع فيه، وقد يقل، [ ص: 454 ] ويكثر، فأشبه سائر المختلطات، وهذا ما روى ابن كج عن نصه، وأصحهما الجواز; لأن اختلاطه خلقي، فأشبه النوى بالتمر، وكما يجوز السلم في الشهد يجوز في كل واحد من ركنيه .

(الرابع: أن يستقصي وصف هذه الأمور المقابلة للوصف، حتى لا يبقى وصف تتفاوت به القيمة تفاوتا لا يتغابن به) أي: بمثله (إلا ذكره) أي: لا يحتمل الناس إهمال مثل ذلك; للاختلاف والنقصان (فإن ذلك) أي: الاستقصاء في الأوصاف (هو القائم مقام الرؤية في البيع) واختلف في ذلك، فمن الأصحاب من يقول: يجب التعرض للأوصاف التي يختلف بها الغرض، ومنهم من يعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة، ومنهم من يجمع بينهما، فليس شيء فيها معمولا; لأن كون العبد ضعيفا في العمل، وقويا، وكاتبا، وأمينا، وما أشبه ذلك، أوصاف يختلف بها الغرض، والقيمة، ولا يجب التعرض لها .

(فصل)

من أنواع الحيوان: الرقيق، فإذا أسلم فيه وجب التعرض لأمور: أحدها: النوع، فيبين أنه تركي، أو رومي. والثاني: اللون، فيبين أنه أبيض، أو أسود، أو أسمر. والثالث: الذكورة، والأنوثة. والرابع: السن، فيقول: محتلم، أو ابن ست، أو سبع، والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد، وفي السن يعتمد قوله إن كان بالغا، وقول سيده إن ولد في الإسلام، وإلا فالرجوع إلى النخاسين، فتعتبر ظنونهم. الخامس: القد، فيبين أنه طويل، أو قصير، أو ربعة; لأن قيمته تتفاوت به تفاوتا ظاهرا، ولا يشترط وصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة، وإن تفاوت بها الغرض، والقيمة; لأن ذلك يورث عزة الوجود في الموصوف، ولكن في التعرض للأوصاف التي يعتني بها أهل النظر، ويرغبون في الأرقاء، كالكحل، والدعج، وتكلثم الوجه،وسمن الجارية، وما أشبههما، وجهان: أظهرهما: أنه لا يجب .

ومن أنواع الحيوان: الإبل، ولا بد من التعرض فيها لأمور، أحدها: الذكورة والأنوثة. والثاني: السن، فيقول: ابن مخاض، أو ابن لبون. وثالثها: اللون، فيقول: أحمر، أو أسود، أو أزرق. ورابعها: النوع، فيقول: من نعم بني فلان، ونتاجهم، إذا عرفوا بذلك .

ولو اختلف نتاج بنى فلان بفلان، فيها أرحبية، ومهرية، وعبيدية، فأظهر القولين: أنه لا بد من التعيين .

ومنها: الخيل، فيجب التعرض فيها لما يجب التعرض في الإبل، ويزاد فيها، كالأنمر، والمحجل، واللطيم، أو أشقر، أو أدهم، ونحو ذلك .

وكذا القول في البغال، والحمير، والبقر، والغنم، ويوصف كل جنس من الحيوان بما يليق به .

ويجب في اللحم بيان أمور: أحدها: الجنس، فيقول: لحم إبل أو بقر، أو غنم. والثاني: النوع، فيقول: لحم بقر أهلي، أو جواميس، ولحم ضأن، أو معز. والثالث: الذكورة والأنوثة. والرابع: السن. والخامس: يبين أنه من رعاية، أو معلوفة; لأن كل واحد من النوعين مطلوب من وجه. والسادس: يبين موضعه، أهو من لحم الفخذ، أو الجنب، أو الكتف; لاختلاف الأغراض .

وإذا أسلم في اللبن، يبين ما يبين في اللحم، سوى الأمر الثالث، والسادس، ويبين نوع العلف، ولا حاجة إلى ذكر اللون، والحلاوة، فإن المطلق ينصرف إلى الحلو .

ولو أسلم في اللبن الحامض، لم يجز; لأن الحموضة عيب فيه .

وإذا أسلم في السمن، يبين ما يبين في اللبن، ويذكر أنه أصفر، أو أبيض، جديد أو عتيق، ولا يصح السلم في العتيق المتغير، فإنه معيب .

وفي الزبد يذكر ما يذكر فى السمن، وأنه زبد يومه، أو أمسه .

ويجوز السلم في اللبن كيلا ووزنا، لكن لا يكال حتى تسكن الرغوة، ويوزن قبل سكونها، وكذا السمن يكال، ويوزن، إلا إذا كان جامدا، يتجافى في المكيال، فيعتبر الوزن .

وليس في الزبد إلا الوزن .

وإذا جوزنا السلم في الجبن وجب بيان نوعه، وبلده، وأنه رطب أو يابس .

وإذا أسلم في صوف، قال: صوف بلد كذا; لاختلاف الغرض فيه، ويبين لونه، وطوله، وقصره، وأنه خريفي، وأنه من الذكور، أو من الإناث، ويبين في القطن لونه، ورقته، وغلظه .

ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود، حية كانت أو ميتة; لأنها تمنع معرفة وزن القز، وبعد خروج الدود يجوز .

وإذا أسلم في الغزل ذكر ما يذكر في القطن، ويزيد الرقة، والغلظ، وكذا في غزل الكتان .

وإذا أسلم في الثياب يبين الجنس، أنه إبريسم، أو كتان، أو قطن، والنوع، والبلد التي ينسج فيها إن اختلف به الغرض، وقد يغني ذكر النوع عنه، وعن [ ص: 455 ] الجنس أيضا، ويبين الطول، والعرض، والغلظة، والرقة، والصفاقة، والنعومة، والخشونة، والمطلق محمول على الخام، ولا يجوز في المصبوغ بعد النسيج على المشهور، وحكى الإمام عن شيخه جوازه، وبه قال صاحب الحاوي، وهو القياس .

وإذا أسلم في الحطب يذكر نوعه، وغلظه، ودقته، وأنه من نفس الشجر أو أغصانه، ووزنه، ولا يتعرض للرطوبة والجفاف، والمطلق محمول على الجاف، ويجب قبول المعوج، والمستقيم .

ومنها: ما يطلب للبناء، كالجذوع، فيبين منها النوع، والطول، والغلظ، والرقة، ولا حاجة إلى ذكر الوزن،

ولا يجوز السلم في المخروط; لاختلاف أعلاه وأسفله .

ومنها: ما يطلب ليغرس، فيسلم فيها بالعدد، ويذكر النوع، والطول، والغلظ .

ومنها: ما يطلب لتتخذ منها القسي، والسهام، فيذكر فيها النوع، والدقة، والغلظ، وكونه سهليا، أو جبليا .

وإذا أسلم في الحديد ذكر نوعه، وأنه ذكر أو أنثى، ولونه، وخشونته، ولينه .

وفي الرصاص يذكر نوعه من قلعي وغيره، وفي الصفر من مشبه وغيره، وخشونتها، ولينها، ولونها، ولا بد من الوزن في جميع ذلك، وكل شيء لا يتأتى وزنه بالقبان لكبره يوزن بالعرض على الماء .



(فصل)

ويجوز السلم في المنافع، كتعليم القرآن، وغيره، ذكره الروياني، وفي الدراهم والدنانير على أصح الوجهين; لأنه مال يسهل ضبطه. والثاني، وبه قال أبو حنيفة: أنه يجوز، وعلى الأول يشترط أن يكون رأس المال غير الدراهم والدنانير، وقال النووي: اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز إسلام الدراهم في الدنانير، ولا عكسه، سلما مؤجلا، وفي الحال وجهان: الأصح المنصوص في الأم: أنه لا يصح. والثاني: يصح بشرط قبضها في المجلس، قاله القاضي أبو الطيب، والله أعلم .

وهذا باب لا ينحصر، فاعتبر بالمذكور ما لم يذكر .




الخدمات العلمية