الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الأول : في فضل العلم : والتعليم والتعلم .

وشواهده من النقل والعقل .

فضيلة العلم .

شواهدها من القرآن ، قوله عز وجل : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفا وفضلا وجلاء ونبلا

التالي السابق


(الكلام في فضل العلم: شواهده من القرآن، قوله عز وجل: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ) يحتمل أن يراد بذلك الإعلام، أي: أعلم الله، وأن يراد البيان، أي: بين، أو يراد الحكم، أي: حكم بذلك، وقال بعضهم: إن شهد هنا قد استعمل في معان مختلفة، فإما أن يكون من باب الاشتراك أو الحقيقة والمجاز، وكلاهما مقول به، والاستدلال على ذلك في غير هذا، فشهادة الله بذلك إعلامه وبيانه وحكمه، وشهادة الملائكة ومن معهم إقرارهم بذلك .

وقد بينها بعضهم بعبارة أخرى فقال: شهادة الله بوحدانيته، هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم، وفي نفوسنا، قال بعض الحكماء: إن الله تعالى ما شهد لنفسه كان شهادته أن نطق خلقه بالشهادة له، أما شهادة الملائكة بذلك فهي إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وأما شهادة أولي العلم فهي إطلاعهم على تلك الحكم، وإقرارهم بذلك، وإنما خص أولي العلم؛ لأنهم هم المعتبرون، وشهادتهم هي المعتبرة، وأما الجهال فمبعدون عنها، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء وهؤلاء هم المعنيون بقوله: والصديقين والشهداء والصالحين .

(فانظر كيف بدأ سبحانه بنفسه) فقال : شهد الله (وثنى بالملائكة) أي: ذكرهم ثانيا (وثلث بأهل العلم) فقال: وأولو العلم، (وناهيك بهذا شرفا وإجلالا ونبلا) أي لكفايته، كأنه ينهاك عن طلب غيره، استشهدهم على أجل مشهود عليه وهو توحيده، قال ابن القيم: وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:

أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر .

والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته .

والثالث: اقترانها بشهادة ملائكته .

والرابع: أن هذا من تزكيتهم وتعديلهم؛ فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول .

والخامس: أنه وصفهم بكونهم أولي العلم، وهذا يدل على اختصاصهم به، وأنهم أهله وأصحابه، ليس بمستعار لهم .

والسادس: أنه سبحانه استشهد بنفسه وهو أجل شاهد، ثم بخيار خلقه وهم الملائكة، والعلماء من عباده، ويكفي بهذا فضلا وشرفا .

والسابع: أنه استشهد بهم على أجل مشهود به وأعظمه، وهو شهادة أن لا إله إلا هو، والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم .

والثامن: أنه سبحانه جعل شهادتهم حجة على المنكرين، فهم بمنزلة أدلته وآياته وبراهينه الدالة على توحيده .

والتاسع: أنه سبحانه أفرد الفعل المتضمن لهذه الشهادة الصادرة من ملائكته ومنهم، ولم يعطف شهادتهم بفعل آخر غير ألسنتهم، وأنطقهم بهذه الشهادة، فكان هو الشاهد بها لنفسه، إقامة وإنطاقا وتعليما، وهم الشاهدون بها له إقرارا واعترافا وتصديقا وإيمانا .

والعاشر: أنه سبحانه جعلهم مؤدين لحقه عند عباده بهذه الشهادة، فإذا أدوها فقد أدوا الحق المشهود به، فثبت الحق المشهود به، فوجب على الخلق الإقرار به، كان في ذلك [ ص: 68 ] غاية سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وكل من ناله هدى بشهادتهم وأقر بهذا الحق بسبب شهادتهم ... وأقر لهذا فلهم الأجر مثل أجره، وهذا فضل عظيم لا يدرك قدره إلا الله، كذلك كل من شهد بها عن شهادتهم، فلهم من الأجر مثل أجره أيضا، فهذه عشرة أوجه في هذه الآية، ولحظ إلى ذلك الشيخ الأكبر -قدس سره- فقال:


سائلي عن عقيدتي أحسن الله ظنه علم الله أنها شهد الله أنه






الخدمات العلمية