الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الترهيب عن النكاح .

وأما ما جاء في الترهيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم : خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد .

وقال صلى الله عليه وسلم : " يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده ، يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك .

وفي الخبر " قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين .

"

التالي السابق


(وأما ما جاء في الترغيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم: خير الناس بعد المائتين) . وفي بعض الروايات: " في رأس المائتين"، ولفظ الذهبي في كتاب الضعفاء: " في المائتين" (الخفيف الحاذ) . وفي رواية: كل خفيف الحاذ، والحاذ بالحاء المهملة والذال المعجمة مخفف بمعنى الحال، وأصله طريقة المتن أي: ما يعلى عليه اللبد من ظهر الفرس، والمراد خفيف الظهر من العيال والمال .

[ ص: 291 ] ومن رواه بالجيم والدال فقد صحف، وكذا من رواه مشددا. وأما من رواه بالحاء واللام فكأنه ذهب به إلى المعنى، والرواية الصحيحة ما ذكرناه. زاد في أكثر الروايات قيل: يا رسول الله وما خفيف الحاذ ؟ قال (الذي لا أهل له ولا ولد) ضربه مثلا لقلة ماله وعياله، ومن زعم نسخه لم يصب لأن الأخبار لا يدخلها النسخ ولا منافاة بينه وبين خبر: تناكحوا تناسلوا؛ لأن الأمر بالنكاح عام لكل أحد بشروط، وهذا الخبر فيمن لم تتوفر فيه الشروط وخاف من النكاح التورط فيما يخاف منه على دينه بسبب طلب المعيشة .

قال العراقي : رواه أبو يعلى من حديث حذيفة، ورواه الخطابي في العزلة من حديثه وحديث أبي أمامة وكلاهما ضعيف. اهـ .

قلت: رواه أبو يعلى من حديث رواد بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة مرفوعا به. وعلقه رواد، ولذا قال الخليل: ضعفه الحفاظ وخطؤوه. اهـ .

قال السخاوي في المقاصد: فإن صح فهو محمول على جواز الترهب أيام الفتن. اهـ .

ومن هذا الطريق رواه البيهقي في الشعب، والخطيب، والديلمي، وقال الزركشي: غير محفوظ والحمل فيه على رواد. قال الدارقطني: هو متروك. وقال البيهقي : تفرد به رواد عن سفيان. وقال البخاري: اختلط. وقال أحمد: حديثه من المناكير، وقال الذهبي في الضعفاء: وهذا الحديث مما يغلط فيه، ونقل فيه قول الدارقطني. قال: ووثقه يحيى بن معين وقال: له حديث واحد منكر عن سفيان، وساق هذا الخبر .

وعند ابن عساكر بلفظ: " يأتي على الناس زمان أفضل أهل ذلك الزمان كل خفيف الحاذ. قيل: يا رسول الله ومن خفيف الحاذ ؟ قال قليل العيال ".

وأما حديث أبي أمامة الذي أشار إليه العراقي فقد روي بمعناه ولفظه: إن أغبط أوليائي المؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك ثم نفض يده فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه قل تراثه". رواه الترمذي من طريق علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا وقال: علي ضعيف. وقد أخرجه أحمد والبيهقي في الزهد، والحاكم في الأطعمة من مستدركه، وقال: هذا إسناده للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه .

قال السخاوي: ولم ينفرد به علي بن يزيد، فقد أخرجه ابن ماجه في الزهد من سننه من غير طريقه من حديث صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن مرة، عن أيوب بن سلمان، عن أبي أمامة ولفظه: " أغبط الناس عندي مؤمن خفيف الحاذ ". وذكر نحوه .

ولحديث الباب شواهد كثيرة كلها واهية منها: ما رواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن مسعود مرفوعا: " سيأتي على الناس زمان تحل فيه العزبة، لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق ", الحديث .

ومنها ما رواه الديلمي من حديث زكريا بن يحيى الصوفي، عن ابن ابن لحذيفة، عن أبيه، عن جده حذيفة مرفوعا: " خير نسائكم بعد ستين ومائة العواقر، وخير أولادكم بعد أربع وخمسين البنات " .

ومنها ما روى الخطيب من حديث ابن مسعود: " إذا أحب الله العبد اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد " .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: " يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده، يعيرونه بالفقر يكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك) . قال العراقي : رواه الخطابي في العزلة من حديث ابن مسعود نحوه، وللبيهقي نحوه، من حديث أبي هريرة وكلاهما ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه أبو نعيم في " الحلية "، والبيهقي في الزهد، والخليلي والرافعي كلهم عن ابن مسعود بلفظ: " يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من شاهق إلى شاهق، أو من جحر إلى جحر كالثعلب بأشباله، وذلك في آخر الزمان إذا لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله، فإذا كان كذلك حلت العزبة. يكون في ذلك الزمان هلاك الرجل على يد أبويه، فإن لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده، فإن لم تكن له زوجة ولا ولد فعلى يدي الأقارب والجيران يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها"، ورواه الحارث بن أبي أسامة نحوه .

(وفي الخبر " قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين") . هكذا أورده صاحب "القوت " إلا أنه قال: وقال بعض الحكماء فساقه .

قلت: وقد جاء الشطر الأول مرفوعا .

قال العراقي : رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث علي والديلمي [ ص: 292 ] في مسند الفردوس من حديث عبد الله بن عمرو بن هلال المزني كلاهما بالشطر الأول بسندين ضعيفين. اهـ .

قلت: رواه الديلمي من طريق بكر بن عبد الله المزني عن أبيه.




الخدمات العلمية