الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فأما الانصراف فله ثلاثة آداب .

: الأول : أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار وهو سنة وذلك من إكرام الضيف ، وقد أمر بإكرامه قال صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار قال أبو قتادة قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه : نحن نكفيك يا رسول الله فقال كلا : إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم وتمام الإكرام طلاقة الوجه وطيب الحديث عند الدخول والخروج وعلى المائدة .

قيل للأوزاعي رضي الله عنه ما كرامة الضيف ؟ قال : طلاقة الوجه وطيب الحديث .

وقال يزيد بن أبي زياد ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا حديثا حسنا وأطعمنا طعاما حسنا .

الثاني أن ينصرف الضيف

التالي السابق


(فأما الانصراف) بعد الفراغ (فله آداب ثلاثة: الأول: أن يخرج) صاحب الدعوة (مع الضيف إلى باب الدار) ، إن أمكنه وإلا فإلى باب مجلسه (وذلك) معدود (من إكرام الضيف، وقد أمر) الداعي (بإكرامه قال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) تقدم الكلام عليه قريبا، فكل ما يعد إكراما له فهو داخل في عموم هذا الخبر .

(وقال صلى الله عليه وسلم: " إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار) يعني المحل الذي أتاه فيه دارا كان أو خلوة أو معبدا إيناسا وإكراما لينصرف طيب النفس، ويشبه أن يكون المراد بالضيف ما يشمل الزائر ونحوه وإن لم يقدم له ضيافة، رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ: إن من السنة أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار. وإسناده ضعيف على ما قال البيهقي لأن فيه علي بن عروة وهو متروك .

(قال أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قدم وفد النجاشي) ملك الحبشة واسمه أصحمة (على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام يخدمهم بنفسه) من غير استعانة بأحد، (فقال له الصحابة: نحن نكفيك يا رسول الله فيهم) أي: في القيام بمؤنة خدمتهم (فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين) إذ كانوا عندهم في الهجرة، (وأنا أحب أن أكافئهم) وتقدم أن تولى خدمة الضيف بنفسه أحد معاني قوله تعالى: ضيف إبراهيم المكرمين (وتمام الإكرام طلاقة الوجه) وحسن الإقبال عليه، (وطيب الحديث) ولينه (عند الدخول) بالتلقي (و) عند (الخروج وعلى المائدة) فهذه المواضع الثلاثة فيها يتم إكرام الضيف بما ذكر .

(قيل للأوزاعي) عبد الرحمن بن عمر الدمشقي الفقيه، والأوزاع قبائل متفرقة من حمير: (ما كرامة الضيف ؟ قال: طلاقة الوجه وطيب الكلام) أي: فهما ينبئان عن المروءة وصدق الإخلاص، (قال يزيد بن أبي زياد) الكوفي مولى بني هاشم روى عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي جحيفة وابن أبي ليلى، وعنه زائدة وابن إدريس، عالم صدوق مات سنة 137 (ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني روى عن أبيه وعمر ومعاذ، وعنه ابنه، وبه كني وحفيده عبد الله وثابت، وكان أصحابه يعظمونه كأنه أمير (إلا حدثنا حديثا حسنا وأطعمنا طعاما حسنا) وروى المزي في ترجمته من التهذيب عن يزيد بن أبي زياد قال: قال لي مولاي عبد الله بن الحارث بن نوفل: اجمع بيني وبين عبد الرحمن بن أبي ليلى، فجمعت بينهما فقال عبد الله: ما ظننت أن النساء ولدت مثل هذا، روى له الجماعة، ومات في وقعة الجماجم سنة 83، وقد علم من سياقه أن الإحسان في الطعام مطلوب أيضا كالإحسان في الكلام، وكلاهما معدود في إكرام الضيف، ومن هنا قال القائل:


صادف زادا وحديثا ما اشتهى

وقال:


بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يعطي القرى وهو يضحك






الخدمات العلمية