الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم قال بعد ذكر المن والسلوى : كلوا من طيبات ما رزقناكم فاللحم والحلاوة من الطيبات .

قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه : أكل الطيبات يورث الرضا عن الله .

وتتم هذه الطيبات بشرب الماء البارد وصب الماء الفاتر على اليد عند الغسل .

قال المأمون شرب الماء بثلج يخلص الشكر .

التالي السابق


(ثم قال تعالى بعد ذكر المن والسلوى: كلوا من طيبات ما رزقناكم ) على إرادة القول أي: وقلنا لهم ذلك، (فاللحم والحلاوة من الطيبات) أي: من طيبات الرزق (قال أبو سليمان الداراني -رحمه الله تعالى -: أكل الطيبات يورث الرضا عن الله تعالى) نقله صاحب "القوت "، وهذا لمن يملك نفسه قبل أن تملكه، فلا يخشى انقلاب الطيبات شهوات، فمثله إذا أكل منها أعطاها مقامها من الشكر والرضا، (وتتم هذه الطيبات بشرب الماء البارد) في أثناء الطعام (وصب الماء الفاتر على اليد) بعد الفراغ من الطعام (عند الغسل) أي: غسل اليد فإنه من جملة النعيم، ولاسيما في أوقات البرد. (قال المأمون) عبد الله بن هارون العباسي الخليفة، وكان من حكماء الخلفاء: (شرب الماء بثلج) أي: ممزوجا به (يخلص الشكر لله) عز وجل نقله صاحب "القوت " وقد ورد في الخبر: " كان أحب الشراب إليه -صلى الله عليه وسلم- الحلو البارد " وهذا لا ينافي كمال زهده -صلى الله عليه وسلم- لأن ذلك فيه مزيد الشهود لعظائم نعم الحق وإخلاص الشكر له عز وجل من غير أن يكون فيه إشعار بتكلف ولا خيلاء البتة بخلاف المأكل، وإلى هذا أشار المأمون بقوله السابق، فلذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشرب نفيس الشراب غالبا، ولا يأكل نفيس الطعام غالبا، وروى أبو داود أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستعذب له من بيوت السقيا.

قال ابن بطال: واستعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم، وقد شرب الصالحون الماء الحلو وطلبوه، وكان -صلى الله عليه وسلم- يشرب العسل الممزوج بماء بارد. قال ابن القيم: وفيه من حفظ الصحة ما لا يهتدي لمعرفته إلا أفاضل الأطباء، فالماء البارد طب يقمع الحرارة ويحفظ البدن، والعسل على الريق يزيل البلغم ويدفع عن المعدة الفضلات، ويفتح سددها. وكان -صلى الله عليه وسلم- يشرب اللبن خالصا تارة، وبالماء أخرى يكسر حره بالماء البارد .

وروى الطبراني أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل على أنصاري في حائطه يحول الماء فقال له: " إن كان عندك ماء بات في شنه ؟ " فقال: عندي ماء بات في شنه، فانطلق للعريش فسكب في قدح ماء ثم حلب عليه من داجن فشرب -صلى الله عليه وسلم-.




الخدمات العلمية