الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان محمد بن واسع وأصحابه يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير إذن .

وكان الحسن يدخل ويرى ذلك فيسر به ، ويقول : هكذا كنا .

وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه كان قائما يأكل من متاع بقال في السوق يأخذ من هذه الجونة تينة ، ومن هذه قسبة ، فقال له هشام ما بدا لك يا أبا سعيد في الورع تأكل متاع الرجل بغير إذنه ؟ فقال : يا لكع اتل علي آية الأكل ، فتلا إلى قوله تعالى : أو صديقكم فقال فمن الصديق يا أبا سعيد ؟ قال : من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب .

ومشى قوم إلى منزل سفيان الثوري فلم يجدوه ، ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة وجعلوا يأكلون فدخل الثوري وجعل يقول : ذكرتموني أخلاق السلف هكذا كانوا .

وزار قوم بعض التابعين ولم يكن عنده ما يقدمه إليهم فذهب إلى منزل بعض إخوانه فلم يصادفه في المنزل ، فدخل فنظر إلى قدر قد طبخها وإلى خبز قد خبزه ، وغير ذلك ، فحمله كله فقدمه إلى أصحابه وقال : كلوا . فجاء رب المنزل فلم ير شيئا فقيل له :

قد أخذ فلان فقال : قد أحسن ، فلما لقيه قال : يا أخي إن عادوا فعد فهذه آداب الدخول .

آداب تقديم الطعام .

التالي السابق


(وكان محمد بن واسع وأصحابه يدخلون منزل الحسن) البصري (فيأكلون ما يجدون بغير إذن، وكان الحسن) ربما (يدخل ويرى ذلك) أي: فعلهم (فيسر به، ويقول: هكذا كنا) يشير إلى بدايته، وكانت بدايته في زمن الصحابة, (وروي عن الحسن) نفسه (أنه كان قائما يأكل من متاع بقال) الذي يبيع الحبوب والفواكه اليابسة (يأخذ من هذه الجونة) وهي السفطة (تينة، ومن هذه) الثانية (قسبة، فقال له هشام) الأوقص: (ما بدا لك يا أبا سعيد) وهي كنية الحسن (في الورع تأكل متاع الرجل بغير إذنه ؟ فقال: يا لكع) بضم ففتح وهو اللئيم (اتل علي آية الأكل، فتلا) ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم (إلى قوله: أو صديقكم فقال) ولفظ " القوت " قلت: (فمن الصديق يا أبا سعيد ؟ قال: من استروحت إليه النفس) أي: ارتاحت ومالت (واطمأن إليه القلب) أي: سكن، فإذا كان كذلك فلا إذن له في ماله، هكذا أورده صاحب "القوت " .

(وجاء قوم إلى منزل سفيان) بن سعيد (الثوري فلم يجدوه، ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة) وكانوا يعلقونها على وتد (وجعلوا يأكلون) ما فيها من الخبز والطعام، (فدخل الثوري وجعل يقول: ذكرتموني أخلاق السلف) الماضين (هكذا كانوا) يفعلون [ ص: 235 ] أورده صاحب "القوت " (وزار قوم بعض التابعين) أي: ممن له أحد من الصحابة (ولم يكن عنده) آنذاك (ما يقدم إليهم) من الطعام (فذهب إلى منزل بعض إخوانه فلم يصادفه في المنزل، فدخل فنظر إلى قدر) قد طبخها (وإلى خبز قد خبزه، وغير ذلك، فحمله كله فقدمه إلى أصحابه، فقال: كلوا. فجاء رب المنزل فلم ير شيئا) من الطعام الذي هيأه فسأل عنه (فقيل له: قد أخذه فلان) لأضيافه (فقال: قد أحسن، فلما لقيه قال: يا أخي إن عادوا فعد) ، نقله صاحب "القوت " .

فهذه آداب الدخول، ولكن ليس لكل أحد ينظر إلى ظواهر هذه القصص فيدخل البيوت بغير استئذان ويمد يده إلى ما يحل له النظر إليه فضلا عن الأخذ، ولكن بشروط هي الآن أعز من الكبريت الأحمر، فأين الذي يطمئن إليه القلب أو تستروح النفوس إليه، ولذا قال القائل:


صاد الصديق وكاف الكيمياء معا لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا



وقد رأيت جماعة من المنسوبين إلى الطائفة العلية قد استولى عليهم الشيطان بوساوسه وأراهم أن جميع ما في يد الأحباب مشترك الانتفاع لا ملك لهم حقيقة، فإذا دخلوا بيت واحد منهم فما وقع عليه بصرهم أخذوه مأكولا كان أو ملبوسا أو نقدا أو متاعا، سواء رضي به صاحب الشيء أو لم يرض، وهذه الطريقة أقرب إلى طريقة الإباحية، أعاذنا الله من ذلك، فليحذر المريد من معاشرة أولئك، والله أعلم .




الخدمات العلمية