الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أما إذا كان جائعا فقصد بعض إخوانه ليطعمه ولم يتربص به وقت أكله فلا بأس به .

قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزل أبي الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لأجل طعام يأكلونه وكانوا جياعا .

والدخول على مثل هذه الحالة إعانة لذلك المسلم على حيازة ثواب الإطعام وهي عادة السلف .

وكان عون بن عبد الله المسعودي له ثلاثمائة وستون صديقا يدور عليهم في السنة ولآخر ثلاثون يدور عليهم في الشهر ولآخر سبعة يدور عليهم في الجمعة .

فكان إخوانهم معلومهم بدلا عن كسبهم وكان قيام أولئك بهم على قصد التبرك عبادة لهم فإن دخل ولم يجد صاحب الدار وكان واثقا بصداقته عالما بفرحه إذا أكل من طعامه ، فله أن يأكل بغير إذنه ، إذ المراد من الإذن الرضا لا سيما في الأطعمة وأمرها على السعة .

فرب رجل يصرح بالإذن ويحلف وهو غير راض فأكل طعامه مكروه .

ورب غائب لم يأذن وأكل طعامه محبوب .

وقد قال تعالى : أو صديقكم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم : دار بريرة وأكل طعامها وهي غائبة ، وكان الطعام من الصدقة فقال بلغت الصدقة محلها .

وذلك لعلمه بسرورها بذلك .

لذلك يجوز أن يدخل الدار بغير استئذان اكتفاء بعلمه بالإذن فإن لم يعلم فلا بد من الاستئذان أولا ثم الدخول .

التالي السابق


(أما إذا كان جائعا فقصد بعض إخوانه ليطعمه) مما عنده (ولم يتربص به وقت أكله فلا بأس به) فإنه غير مخالف للسنة (قصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- منزل أبي الهيثم بن التيهان) بفتح التاء الفوقية وتشديد الياء التحتية المكسورة (وأبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) كذا في النسخ بالإفراد، والصواب: الأنصاريين رضي الله عنهم (لأجل طعام يأكلونه وكانوا جياعا) قال العراقي : أما قصة أبي الهيثم فرواها الترمذي من حديث أبي هريرة وقال: حسن غريب صحيح، والقصة عند مسلم، لكن ليس فيها ذكر لأبي الهيثم، وإنما قال: رجل من الأنصار، وأما قصة أبي أيوب فرواها الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس بسند ضعيف. اهـ .

(والدخول على مثل هذه الحالة إعانة لذلك المسلم على حيازة ثواب الإطعام وهي عادة السلف) ولفظ " القوت ": ومن طرقته فاقة من الفقراء فقصد بعض إخوانه يتصدى للأكل عنده فجائز له ذلك بشرطين لا يكون عنده موجود من طعام ونيته أن يؤجر أخوه، ويكون هو الجالب لأجره لأنه عرضه للمثوبة، فهذا داخل في التعاون على البر والتقوى، وداخل في التحاض على طعام المسكين ونفسه كغيره من الفقراء، ولأن أخاه لا يعلم بصورة حاله ولو علمه لسره ذلك، ففيه إدخال السرور عليه من حيث يعلم، وقد فعل هذا جماعة من السلف .

وقد روي بمعناه أثر من ثلاثة طرق للسلف الصالح (كان عون بن عبد الله المسعودي) هو أبو عبد الله عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي [ ص: 234 ] الكوفي الزاهد، قال أحمد وابن معين والعجلي: ثقة. وذكر الترمذي والدارقطني أن روايته عن عبد الله بن مسعود مرسلة، وعن أبي أسامة قال: وصل إلى عون أكثر من عشرين ألف درهم، فقال له أصحابه: لو اعتقدت عقدة لولدك ؟ فقال: أعتقدها لنفسي وأعتقد الله عز وجل لولدي، قال أبو أسامة: فلم يكن في المسعوديين أحسن حالا من ولد عون، روى له الجماعة إلا البخاري (له ثلاثمائة وستون صديقا يدور عليهم في السنة) بأن كان يكون عند كل واحد يوما (و) كان (لآخر ثلاثون) صديقا (يدور عليهم في الشهر) مرة (و) كان (لآخر سبعة) أصدقاء وكانوا يقدمون هذه الأخلاق مع إخوانهم ويؤثرونها على المكاسب، (فكان إخوانهم يعطونهم بدلا عن كسبهم) والهمزة في... الإعلال للإزالة، ولم يكن هؤلاء يتكسبون ولا يدخرون (وكان قيام أولئك بهم على قصد التبرك عبادة لهم) وكانوا يسألونهم ذلك بنية صالحة ويقسمون عليهم فيه، ويرونه من أفضل الأعمال، وكان هؤلاء للإنصاف يكرمون إخوانهم بإجابتهم وكونهم عندهم .

قال صاحب "القوت ": ومنهم من كان منقطعا في منزل أخيه، قد أفرده بمكان يقوم بكفايته، ولا يبرح من منزله على الدوام يحكم فيه ويتحكم كما يكون في منزل نفسه، (فإن دخل ولم يجد صاحب الدار وكان واثقا بصداقته عالما بفرحه إذا أكل من طعامه، فله أن يأكل بغير إذنه، إذ المراد من الإذن الرضا لاسيما في الأطعمة وأمرها على السعة) ولفظ " القوت ": ومن علم من أخيه أنه يحب أن يأكل من طعامه فلا بأس أن يأكل بغير إذن; لأن علمه بحقيقة حاله ينوب عن إذنه في الأكل لقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المعنى: " رسول الرجل إلى الرجل إذنه له بالدخول عليه فأغناه عن الاستئذان " (فرب رجل يصرح بالإذن ويحلف) عليه (وهو غير راض) بالقلب (فأكل طعامه مكروه) أي: فإن علمت من كراهته لأكلك لطعامه فلا تأكل ولو أذن لك بقوله، (ورب غائب لم يأذن وأكل طعامه محبوب، وقد قال تعالى: أو صديقكم ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار بريرة) مولاة ل عائشة - رضي الله عنها - اشترتها وأعتقتها (وأكل طعامها وهي غائبة، وكان الطعام من الصدقة فقال) -صلى الله عليه وسلم- (بلغت الصدقة محلها) هو عليها صدقة ولنا هدية". (وذلك لعلمه بسرورها بذلك) هكذا أورده صاحب "القوت " وهما قصتان، قال العراقي : رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة : أهدي لبريرة لحم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " هو لها صدقة ولنا هدية " وأما قوله: بلغت محلها، فقاله في الشاة التي أعطيتها نسيبة من الصدقة، وهو متفق عليه أيضا من حديث أم عطية (ولذلك يجوز أن يدخل الدار بغير استئذان اكتفاء بعلمه بالإذن) استدل بفعله -صلى الله عليه وسلم- حيث دخل دار بريرة وهي لم تكن حاضرة لعلمه أنها تسر بذلك، (فإن لم يعلم) بسروره له (فلا بد من الاستئذان أولا ثم الدخول) بعده .




الخدمات العلمية