الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الخامس : أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعا بالأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل .

قال إبراهيم بن شيبان : منذ ثمانين سنة ما أكلت شيئا لشهوتي .

ويعزم مع ذلك على تقليل الأكل فإنه إذا أكل لأجل قوة العبادة لم تصدق نيته إلا بأكل ما دون الشبع فإن الشبع يمنع من العبادة ولا يقوى عليها فمن ضرورة هذه النية كسر الشهوات وإيثار القناعة على الاتساع

قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس

ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع فيكون الجوع أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل .

ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشبع ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب وسيأتي فائدة قلة الأكل وكيفية التدريج في التقليل منه في كتاب كسر شهوة الطعام من ربع المهلكات .

التالي السابق


(الخامس: أن ينوي بأكله أن يتقوى به) على البر والتقوى و (على طاعة الله تعالى) والاستعانة بخدمته ليكون مطيعا بالأكل، (ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل) كما يقصده المترفهون (قال إبراهيم بن شيبان: منذ ثمانين سنة ما أكلت شيئا لشهوتي) .وفي نسخة: بشهوتي (ويعزم مع ذلك على تقليل الأكل [ ص: 216 ] فإنه إذا أكل لأجل قوة العبادة) أي: لأجل أن يتقوى على العبادة (لم تصدق نيته إلا بأكل ما دون الشبع) بحيث تبقى هناك الشهوة الداعية للأكل (فإن الشبع) المفرط (يمنع من العبادة) أي: من القيام بحقوقها، (ولا يقوي عليها) لارتخاء العروق عند امتلاء المعدة. (فمن ضرورة هذه النية كسر الشهوات وإيثار القناعة) على الحرص والتقلل (على الاتساع) والأدب فيه على الشره .

(قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه) لما فاته من خيور كثيرة جعل البطن كالأوعية التي تتخذ ظروفا توهينا لشأنه، ثم جعله شر الأوعية لأنها تستعمل في غير ما هي له، والبطن خلق لأنه يتقوم به الصلب بالطعام، وامتلاؤه يفضي إلى فساد الدين والدنيا، فيكون شرا منها، ووجه تحقق ثبوت الوصف في المفضل عليه أن ملء الأوعية لا يخلو عن طمع أو حرص في الدنيا، وكلاهما شر على الفاعل. والشبع يوقع في مداحض فيزيغ عن الحق ويغلب عليه الكسل، فيمنعه من التعبد، وتكثر فيه مواد الفضول، فيكثر غضبه وشهوته، ويزيد حرصه، فيوقعه في طلب ما زاد على الحاجة .

(حسب ابن آدم) أي: يكفيه، وفي رواية: بحسب ابن آدم (لقيمات) جمع لقيمة، تصغير لقمة، وهذه الصيغة لجمع القلة ما دون العشرة، وفي رواية: " أكلات " محركة جمع أكلة بالضم، وهي بمعناها أي: يكفيه هذا القدر في سد الرمق وإمساك القوة، ولذا قال (يقمن صلبه) أي: ظهره تسمية للكل باسم جزئه (فإن لم يفعل) . وفي رواية: فإن كان لا محالة أي: من التجاوز عما ذكر فلتكن أثلاثا (فثلث طعام) أي: مأكول، وفي رواية: لطعامه (وثلث شراب) أي: مشروب، وفي رواية: لشرابه (وثلث) يدعه (للنفس) بالتحريك، يعني: يبقي من ملئه قدر الثلث ليتمكن من النفس، وهذا غاية ما اختير للأكل، وهو أنفع ما للبدن والقلب، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان، وأيضا لما كان في الإنسان ثلاثة أجزاء: أرضي ومائي وهوائي، قسم طعامه وشرابه ونفسه إلى الأجزاء الثلاثة، وترك الناري لقول جمع من الأطباء ليس في البدن جزء ناري ذكره ابن القيم.

قال العراقي : هذا الحديث رواه الترمذي وقال: حسن، والنسائي وابن ماجه من حديث المقدام بن معد يكرب.

قلت: وكذا رواه ابن المبارك في الزهد، وأحمد، وابن سعد، وابن جرير ، والطبراني، والحاكم ، وابن حبان ، والبيهقي ، وقال الحاكم : هو صحيح، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في كتاب كسر الشهوتين عند ذكر فوائد الجوع .

(ومن ضرورة هذه النية أن لا يمد يده إلى الطعام إلا وهو جائع) يشتهي الطعام، (فيكون الجوع أحد ما لا بد من تقديمه على الأكل، ثم ينبغي أن يرفع اليد) من الطعام (قبل الشبع ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب) لعدم حاجته إليه، (وسيأتي فائدة قلة الأكل وكيفية التدريج في التقليل منه في كتاب كسر شره الطعام من ربع المهلكات) إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية