من قوله : وخاتمة البقرة آمن الرسول و شهد الله و قل اللهم مالك الملك الآيتين وقوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وقوله تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق إلى آخرها وقوله سبحانه : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية وخمس آيات من أول الحديد وثلاثا ، من آخر سورة الحشر وإن قرأ المسبعات العشر التي أهداها الخضر عليه السلام إلى إبراهيم التيمي رحمه الله ووصاه أن يقولها غدوة وعشية فقد استكمل الفضل وجمع ، له ذلك فضيلة جملة الأدعية المذكورة .
فقد روي عن كرز بن وبرة رحمه الله وكان من الأبدال قال : أتاني أخ لي من أهل الشام ، فأهدى لي هدية وقال يا كرز اقبل مني هذه الهدية ؛ فإنها نعمت الهدية ، فقلت : يا أخي ومن أهدى لك هذه الهدية ؟ قال : أعطانيها إبراهيم التيمي ، قلت : أفلم تسأل إبراهيم : من أعطاه إياها قال ؟ : كنت جالسا في فناء الكعبة وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد ، فجاءني رجل ، فسلم علي ، وجلس عن يميني ، فلم أر في زماني أحسن منه وجها ولا أحسن منه ثيابا ، ولا أشد بياضا ، ولا أطيب ريحا منه ، فقلت : يا عبد الله من أنت ؟ ومن أين جئت ؟ فقال : أنا الخضر ، فقلت : في أي شيء جئتني فقال ؟ : جئتك للسلام عليك وحبا لك في الله وعندي هدية أريد أن أهديها لك فقلت : ما هي قال ؟ : أن تقول قبل طلوع الشمس وقبل انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد ، وقل أعوذ برب الناس ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، وآية الكرسي ، كل واحدة سبع مرات ، وتقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر سبعا ، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعا ، وتستغفر ، لنفسك ولوالديك والمؤمنين وللمؤمنات سبعا ، وتقول : اللهم افعل بي وبهم عاجلا وآجلا في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل ؛ إنك غفور حليم ، جواد كريم رءوف ، رحيم ، سبع مرات وانظر ، أن لا تدع ذلك غدوة وعشية ، فقلت : أحب أن تخبرني : من أعطاك هذه العطية العظيمة ؟ فقال : أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم فقلت : أخبرني بثواب ذلك ، فقال : إذا لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ثوابه ، فإنه يخبرك بذلك . فذكر إبراهيم التيمي أنه رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة ، فرأى ما فيها ، ووصف أمورا عظيمة مما رآه في الجنة ، قال : فسألت الملائكة ، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : للذي يعمل مثل عملك ، وذكر أنه أكل من ثمرها ، وسقوه من شرابها ، قال قال : فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبيا وسبعون صفا من الملائكة ، كل صف مثل ما بين المشرق والمغرب ، فسلم علي ، وأخذ بيدي ، فقلت : يا رسول الله ، الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث ، فقال : صدق الخضر صدق الخضر ، وكل ما يحكيه فهو حق ، وهو عالم أهل الأرض ، وهو رئيس الأبدال ، وهو من جنود الله تعالى في الأرض فقلت : يا رسول الله ، فمن فعل هذا أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطى شيئا مما أعطيته ؟ فقال : والذي بعثني بالحق نبيا إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ير الجنة ، إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ، ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ويأمر ، صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة ، والذي بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا ، ولا يتركه إلا من خلقه الله شقيا ، وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب فلعله كان بعد هذه الرؤيا فهذه وظيفة القراءة ، فإن أضاف إليها شيئا مما انتهى إليه ورده من القرآن أو اقتصر عليه فهو حسن؛ فإن القرآن جامع لفضل الذكر والفكر والدعاء مهما كان بتدبر كما ذكرنا فضله وآدابه في باب التلاوة .
وأما الأفكار فليكن ذلك إحدى وظائفه ، وسيأتي تفصيل ما يتفكر فيه وكيفيته في كتاب التفكر من ربع المنجيات ولكن مجامعة ترجع إلى فنين : أحدهما : أن يتفكر فيما ينفعه من المعاملة بأن يحاسب نفسه فيما سبق من تقصيره