الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة مجالس الذكر .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل إلا حفت بهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده " وقال صلى الله عليه وسلم : ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه ، إلا ناداهم مناد من السماء : قوموا مغفورا لكم قد ، بدلت لكم سيئاتكم حسنات " وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : " ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله سبحانه وتعالى فيه ، ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة " وقال داود صلى الله عليه وسلم إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي .

وقال صلى الله عليه وسلم :
" المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس السوء " وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن أهل السماء ليتراءون بيوت أهل الأرض التي يذكر فيها اسم الله تعالى كما تتراءى النجوم .

وقال سفيان بن عيينة رحمه الله إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل الشيطان والدنيا ، فيقول الشيطان للدنيا : ألا ترين ما يصنعون فتقول الدنيا : دعهم فإنهم إذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه إذا دخل السوق وقال أراكم ههنا وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد ، فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثا فقالوا : يا أبا هريرة ما رأينا ميراثا يقسم في المسجد ، قال فماذا : رأيتم ؟ قالوا : رأينا قوما يذكرون الله عز وجل ويقرءون ، القرآن ، قال : فذلك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله عز وجل ملائكة سياحين في الأرض " فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا بغيتكم فيجيئون ، فيحفون بهم إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى أي شيء تركتم عبادي يصنعونه ؟ فيقولون : تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويسبحونك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وهل رأوني ؟ فيقولون : لا ، فيقول جل جلاله : كيف لو رأوني ؟ فيقولون : لو رأوك لكانوا أشد تسبيحا وتحميدا وتمجيدا ، فيقول لهم : من أي شيء يتعوذون ؟ فيقولون : من النار ، فيقول تعالى وهل : رأوها ؟ فيقولون : لا ، فيقول الله عز وجل فكيف : لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها لكانوا أشد هربا منها ، وأشد نفورا . فيقول الله عز وجل : وأي شيء يطلبون ؟ فيقولون : الجنة ، فيقول تعالى : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا ، فيقول تعالى فكيف : لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا ، فيقول جل جلاله إني : أشهدكم أني قد غفرت لهم ، فيقولون : كان فيهم فلان لم يردهم إنما جاء لحاجة ، فيقول الله عز وجل : هم القوم لا يشقى جليسهم .

التالي السابق


( فضيلة مجالس الذكر)

( قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله -عز وجل- إلا حفت بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده") قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: رواه عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق هو السبيعي، قال: سمعت الأغر يقول: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وتنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وأخرجه أبو داود الطيالسي عن شعبة. وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، عن يونس بن حبيب، عن الطيالسي. وأخرجه أبو نعيم في المستخرج، عن حبيب بن الحسن، حدثنا يوسف القاضي، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة.

وأخرجه مسلم أيضا، والترمذي من رواية الثوري، والنسائي من رواية عثمان بن زريق، وابن حبان من رواية أبي الأحوص، كلهم عن أبي إسحاق.

وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، أخرجها مسلم في أثناء حديث من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رفعه: "من نفس عن مؤمن كربة" فذكر الحديث، وفيه: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفظتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، وابن حبان أيضا، وابن شاهين في الترغيب، وقال: حسن صحيح، عن ابن مسعود وأبي هريرة معا بمثل سياق مسلم، وأوله موافق لما أورده المصنف .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم، وقد بدلت لكم سيئاتكم حسنات" ) قال العراقي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف من حديث أنس اهـ .

قلت: هو مركب من حديثين:

الأول: عن أنس عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في الأوسط، والضياء في المختارة، بلفظ: "ما جلس قوم يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم".

والثاني: عن سهل بن الحنظلية، عند الطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن، والضياء [ ص: 9 ] في المختارة، بلفظ: "ما جلس قوم يذكرون الله -عز وجل- فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم، وبدل سيئاتكم حسنات".

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا علي إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة") قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: رواه عن أبي هريرة وأبي سعيد معا، بلفظ: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم حسرة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم".

وعند ابن ماجه وابن شاهين من حديث أبي هريرة: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا فيه ربهم، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ترة عليهم يوم القيامة، إن شاء آخذهم الله وإن شاء عفا عنهم".

( وقال داود عليه السلام) في بعض مخاطبته لربه عز وجل: ( إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذكر إلى مجالس الغافلين) عن الذكر ( فاكسر رجلي دونهم فإنها نعمة تنعم بها علي) وهذا هو معنى التوفيق ( وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المجلس الصالح يكفر عن المؤمن ألفي ألف مجلس من مجالس السوء") قال العراقي: ذكره صاحب الفردوس من حديث أسد بن وداعة، وهو مرسل، ولم يخرجه ولده، وكذلك لم أجد له إسنادا. اهـ .

( وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه-: ( إن أهل السماء ليتراءون بيوت أهل الأرض التي يذكر فيها اسم الله تعالى كما تتراءى النجوم) لأهل الأرض ( وقال) أبو محمد ( سفيان بن عيينة) الهلالي المكي الكوفي الأعور أحد الأعلام، روى عن الزهري وعمرو بن دينار، وعنه الشافعي وأحمد والأعمش وابن جريح، ثقة ثبت، توفي في رجب 198: ( إذا اجتمع قوم يذكرون الله تعالى اعتزل الشيطان والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين) أي: ألا تنظرين ( ما يصنعون) أي: من الذكر والتحلق ( فتقول: دعهم فإنهم إذا تفرقوا أخذت بأعناقهم إليك) أجارنا الله من شرهما .

( وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه دخل السوق) أي: سوق المدينة ( فقال) لأهل السوق: ( أراكم هنا وميراث محمد -صلى الله عليه وسلم- يقسم في المسجد، فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثا) يقسم، فرجعوا ( فقالوا: يا أبا هريرة ما رأينا في المسجد ميراثا يقسم، قال: فما رأيتم؟ قالوا: رأينا قوما يذكرون الله عز وجل، ويقرؤون القرآن، قال: فذلك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم) قال العراقي: رواه الطبراني في المعجم الصغير بإسناد فيه جهالة وانقطاع .

( وروى الأعمش) وهو سليمان بن مهران، الكوفي الفقيه، أحد الأعلام ( عن أبي صالح) المدني، ويعرف بالسمان وبالزيات ( عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما) هكذا على الترديد ( عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن لله -عز وجل- ملائكة سياحين في الأرض") من السياحة، هي السير في الأرض للاعتبار ( فضلا عن كتاب الناس) أي: هم غير الملائكة الموكلة ببني آدم ( فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا) أي: بعضهم بعضا ( هلموا) أي: تعالوا ( إلى بغيتكم) أي: مطلوبكم ( فيجيؤون، أي: فيحفون بهم إلى السماء) الدنيا ( فيقول الله تبارك تعالى) وهو أعلم بهم ( على أي شيء تركتم عبادي يصنعونه؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك ويعبدونك ويسبحونك، فيقول الله تعالى: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تسبيحا وتمجيدا وتحميدا، فيقول لهم: من أي شيء يتعوذون؟ فيقولون: من النار، فيقول تعالى: هل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول عز وجل: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد هربا منها، وأشد نفورا. فيقول عز وجل: وأي شيء يطلبون؟ فيقولون: الجنة، فيقول [ ص: 10 ] تعالى: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول تعالى: وكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا، فيقول جل جلاله: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: كان فيهم فلان لم يردهم وإنما جاء لحاجة، فيقول عز وجل: هم القوم لا يشقى جليسهم) .

قال العراقي: رواه الترمذي من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحده، وقد تقدم في الباب الثالث من كتاب العلم. اهـ .

قلت: يشير إلى أن البخاري أخرجه من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بتمام السياق، وأشار إلى طريق سهيل تعليقا .

وأخرجه مسلم عن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد، عن وهب بن خالد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ملائكة سيارة يلتمسون مجالس الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بأجنحتهم ما بينهم وسماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا إلى ربهم، فيسألهم وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك ويهللونك ويسألونك جنتك ويستعيذونك من نارك، قال: وهل رأوا جنتي وناري؟ قالوا: لا، فقال: كيف لو رأوهما؟ أشهدكم أني قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، فيقال: إن فيهم رجلا ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".

ورواه الفريابي، عن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن سهيل.

وأخرجه أبو عوانة في الصحيح، عن عباس الدوري، عن أمية بن بسطام.

وأخرجه أبو داود الطيالسي، عن وهيب، عن سهيل.

وروى البزار عن أحمد بن مالك القشيري وأبو نعيم في الحلية من طريق الحسن بن سفيان، عن محمد بن أبي بكر، كلاهما عن زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس مرفوعا: "إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم، وبعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة سبحانه، فيقولون -وهو أعلم- أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألون لآخرتهم ودنياهم، فيقول: غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".




الخدمات العلمية