الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم

التالي السابق


(وفي ترك المبيت والرمي إراقة دم ) أي كلاهما نسكان مجبوران بالدم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ترك نسكا فعليه دم أما المبيت فليلة النحر بمزدلفة، والثاني من أيام التشريق بمنى لكن مبيته الليلة الثالثة منها ليس بنسك على الإطلاق، بل في حق من لم ينفر اليوم الثاني من أيام التشريق على ما مرت الإشارة في كلام المصنف، وتقدم الكلام في الحد [ ص: 405 ] المعتبر في المبيت، وكذا الكلام على أنه هل الدم واجب، أو مستحب ؟ وكلام الأكثرين يميل إلى ترجيح الإيجاب، وروى القاضي ابن كج طريقة ناطقة بالاستحباب، ويبقى الكلام في أن الدم متى يكمل ؟ وهل يزيد على الواحد أم لا ؟ إن ترك المبيت ليلة النحر وحدها أراق دما، وإن ترك مبيت الليالي الثلاث فكذلك على المشهور، وعن صاحب التقريب، وآية قول أن في كل ليلة دما، وإن ترك ليلة منها فبم يجبر؟ فيه ثلاثة أقوال أظهرها بمد، والثاني بدرهم، والثالث بثلث دم، وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس، وإن ترك مبيت الليالي الأربع فقولان: أظهرهما بدمين أحدهما لليلة المزدلفة، والآخر لليالي منى لاختلافهما في الموضع، وتقاربهما في الأحكام .

قال الإمام: وهذا في حق من يتقيد الليلة الثالثة بأن كان بمنى وقت المغرب فإن لم يكن بها حينئذ ولم يبت وأفرد بدم ليلة مزدلفة فوجهان; لأنه لم يترك مبيت النسك إلا ليلتين، أحدهما عليه مدان، أو درهمان، أو ثلثا دم، والثاني عليه دم كامل لترك جنس المبيت بمنى قال: وهذا أفقه ولا بد من عوده فيما إذا ترك ليلتين بمنى من الثلاث دون ليلة مزدلفة إذا لم يتقيد الثالثة .

وعند أبي حنيفة لا يجب الدم بترك المبيت بمنى، وهو رواية عن أحمد ولا دم على من ترك المبيت بعذر وهذا قد تقدم بيانه، وأما الرمي فاعلم أن أعمال الحج تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أركان، وأبعاض وهيئات، ووجه الحصر أن كل عمل يفرض فإما أن يتوقف التحلل عليه فهو ركن أو لا يتوقف، فإما أن يجبر بالدم فهو بعض، أو لا يجبر فهو هيئة، والأركان خمسة: الإحرام والوقوف والطواف والسعي والحلق، أو التقصير على القول بأنه نسك، وإلا فأربعة، وما سوى الوقوف فأركان في العمرة أيضا، ولا مدخل للجبران فيها، فأما الأبعاض فمجاوزة الميقات، والرمي مجبوران بالدم وفاقا ، وفي ترك رمي الأيام الأربعة ثلاثة أقوال: دم دمان أربعة دماء كذا ذكره المصنف في الوجيز .

ولو ترك رمي يوم النحر، أو رمي واحد من أيام التشريق فقد جمع الإمام فيه طرقا أحدها أن الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها، وإن ترك بعض رمي يوم النحر فقد ألحقه في التهذيب بما إذا ترك من الجمرة الأخيرة من اليوم الأخير، وقال في التتمة: يلزمه دم وإن ترك حصاة; لأنها من أسباب التحلل، فإذا ترك شيئا لم يتحلل إلا ببدل كامل، وعن أبي حنيفة أنه إذا ترك من يوم النحر أربع حصيات فعليه دم، وإن ترك عشرا أو أقل فلا اكتفاء بالأكثر، وباقي مسائل الرمي تقدم ذكرها قريبا، والله أعلم .




الخدمات العلمية