الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم إذا انتصف الليل يأخذ في التأهب للرحيل ويتزود الحصى منها ففيها أحجار رخوة فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة ولا بأس بأن يستظهر بزيادة فربما يسقط منه بعضها

التالي السابق


(ثم مهما انتصف الليل) ، ومضى أول جزء بعده على المعتمد في المذهب كما تقدمت الإشارة إليه، (فليأخذ للتأهب للرحيل وليتزود الحصى) الصغار (منها ففيها حجارة رخوة) .

اعلم أنهم اختلفوا من أين يلتقط الحصى ؟ فالذي نص عليه الأصحاب أنه يلتقط من المزدلفة، وهكذا رواه أبو حفص الملا في سيرته عن أبان بن صالح وفي الصحيحين من حديث الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غداة جمع حين دفعوا: عليكم بالسكينة، وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا، وهو في منى قال: عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة وأخرجه النسائي، وزاد والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان، وبوب عليه: من أين يلتقط الحصى ؟

وذكر ابن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بحصيات التقطها له عبد الله بن عباس من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف، ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فإنه لم يقل في الحديث أنه التقط وإنما أمر بالالتقاط فيحتمل أنه لم ير تكليف الالتقاط لنفسه في ذلك الموضع لاشتغال الناس فيه بالسعي، وإن تكلفوا ذلك في حق أنفسهم، ويجوز أن يكون التقط له ثم سقط منه، وأن الأمر به من وادي محسر لمن لم يأخذ من المزدلفة، أو يكون الراوي نسب محسرا إلى مزدلفة; لأنه حد لها كما سيأتي، فأضاف الأخذ إليها وهو منه، وإنما يستحب أخذ حصى رمي جمرة العقبة لا غير ليكون غير معرج على شيء غير الرمي عند وصوله إلى منى، وأما الالتقاط من حصى الجمرة الذي قد رمى به فهو مكروه، والتقاط ابن عباس في الحديث المتقدم لم يكن من المرمى نفسه، بل كان من مكان الوقوف وهو بطن الوادي على ما دل عليه حديث جابر وغيره، وقال أصحابنا: ويأخذ الحصى من أي موضع شاء إلا من عند الجمرة فإنه يكره، وهذا يتضمن خلاف ما قيل أنه يلتقطها من الجبل الذي على الطريق من مزدلفة.

قال بعضهم: جرى التوارث بذلك، وما قيل يأخذها من المزدلفة، وما قيل يأخذها من المزدلفة سبعا، ومن جمرة العقبة في اليوم الأول فقط فأفاد أنه لا سنة في ذلك توجب خلافها الإساءة، وعن ابن. . . أنه كان يأخذها من جمع بخلاف موضع الرمي; لأن السلف كرهوه; لأنه المردود، ومع هذا لو فعل بأن أخذها من موضع الرمي أجزأه مع الكراهة، وما هي إلا كراهة تنزيه، والله أعلم .

(فليأخذ سبعين حصاة فإنها قدر الحاجة) ، وهكذا اختاره بعض أصحاب الشافعي أن يلتقط من المزدلفة حصى جمار أيام التشريق، وهي ثلاث وستون حصاة فتكون الجملة سبعين حصاة كذا في المفتاح، (ولا بأس أن يستظهر في زيادة فربما يسقط منه بعضه) ، أي لا بأس أن يزيد احتياطا; لأنه ربما سقط منه شيء، قال أصحابنا: ويكره أن يلتقط حجرا واحدا فيكسره سبعين حجرا صغيرا، كما يفعله كثير من الناس ويستحب أن يغسل الحصيات قبل أن يرميها ليتيقن طهارتها فإنه يقام بها قربة، ولو رمى بمتنجسة بيقين كره وأجزأه .




الخدمات العلمية