الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان وفي الخبر أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم لأنه ابتداء السنة فبناؤها على الخير أحب وأرجى لدوام بركته .

وقال صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام .

" وفي الحديث : من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام .

وفي الخبر : إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما فإن وصل شعبان برمضان فجائز فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مرارا كثيرة ولا يجوز أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق وردا له

التالي السابق


( وكان -صلى الله عليه وسلم- يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه من رمضان ) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .

وروى الترمذي والبيهقي من حديث أنس : "أفضل الصوم بعد رمضان شعبان لتعظيم رمضان " .

(وفي الخبر أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة بزيادة : وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ، وفي لفظ آخر له عن أبي هريرة أيضا يرفعه قال : "سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان ؟ فقال : أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " ، ولم يخرج البخاري هذا الحديث .

(ولأنه ابتداء أول السنة) العربية (فبناؤه على الخير أحب وأرجى لدوام البركة) في سائر الشهور وقال النووي في زيادات الروضة : أفضل الأشهر للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وأفضلها المحرم ويلي المحرم في الفضيلة شعبان .

[ ص: 256 ] وقال صاحب البحر : رجب أفضل الحرم وليس كما قال . أهـ . (وقال -صلى الله عليه وسلم- : "صوم يوم من شهر حرام أفضل من صوم ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام ") .

قال العراقي : لم أجده هكذا وفي المعجم الصغير للطبراني من حديث ابن عباس : "من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما " . أهـ . وعزاه السيوطي في جامعه إلى معجمه الكبير (وفي الخبر : من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله تعالى له عبادة سبعمائة عام ) .

قال العراقي : رواه الأزدي في الضعفاء من حديث أنس . أهـ .

قلت : ورواه ابن شاهين في الترغيب وابن عساكر في التاريخ وسنده ضعيف بلفظ : "من صام في كل شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب له عبادة سبعمائة سنة " ، ورواه الطبراني في الأوسط من طريق يعقوب عن موسى المديني عن مسلمة عن أنس بلفظ : "كتب له عبادة سنتين " ، ويعقوب مجهول ومسلمة ضعيف (وفي الخبر : إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان ) .

قال العراقي : رواه الأربعة من حديث أبي هريرة وصححه الترمذي . أهـ .

قلت : هذا لفظ ابن ماجه إلا أنه قال : "يجيء رمضان " ، ورواه أحمد أيضا ولفظ أبي داود : "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان " ، وفي لفظ الترمذي والنسائي : "إذا بقي النصف من شعبان " ، وعند النسائي : "فكفوا عن الصيام " ، ورواه ابن حبان بلفظ : "فأفطروا حتى يجيء " ، وفي رواية له : "لا صوم بعد نصف شعبان حتى يجيء رمضان " ، ورواه ابن عدي بلفظ : "إذا انتصف شعبان فأفطروا " ، ورواه البيهقي بلفظ : "إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا حتى يدخل رمضان " ، وقال الترمذي بعد أن أخرجه : حسن صحيح وتبعه الحافظ السيوطي وتعقبه مغلطاي بقول أحمد هو غير محفوظ وروى البيهقي عن أبي داود عن أحمد : منكر ، وقال الحافظ بن حجر : كان ابن مهدي يتوقاه .

وفي كتاب الشريعة : بعد أن أخرج حديث الترمذي : "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا " ، لما كانت ليلة النصف من شعبان آجال الخلق تكتب لملك الموت كان الموت مشهودا لأنه زمان استحضار الآجال فإذا تلتها ليلة السادس عشر لم ينفك صاحب هذا الشهود عن ملاحظة الموت فهو معدود في حاله في أبناء الآخرة وبالموت ينقطع التكليف فما هو في حالة يبيت فيها الصوم لمشاهدة حال الصفة التي تقطع بسببها الأعمال فبقي سكرانا في أثر هذه المشاهدة فمن بقيت له إلى دخول رمضان منع من صوم النصف كله ومن لم يبق له منع السادس عشر ليلة نسخ الآجال وهي ليلة النصف وإنما خص بعض العلماء من أهل الظاهر أنه محل لتحريم الصوم فيه بما أذكره وهو أنه رحمه الله أورد حديثا صحيحا حدثنا به عبد الحق بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني حدثنا أبو محمد علي بن أحمد حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا عمر بن عبد الملك حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : قدم عباد بن كثير المدينة قال : إلى مسجد العلاء بن عبد الرحمن وأخذ بيده فأقامه ثم قال : اللهم إن هذا يحدث عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " ، فقال العلاء : اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك .

قال أبو محمد : هكذا رواه سفيان عن العلاء والعلاء ثقة روى عنه شعبة والثوري ومالك وابن عيينة ومسعر وأبو العميس وكلهم يحتج بحديثه فلا يضره غمز ابن معين ولا يجوز أن يظن بأبي هريرة مخالفة لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "والظن أكذب الحديث " فمن ادعى هنا إجماعا فقد كذب وقد كره قوم الصوم بعد النصف من شعبان جملة إلا أن الصحيح المتيقن مقتضى لفظ هذا الخبر النهي عن الصيام بعد النصف من شعبان ولا يكون أقل من يوم ولا يجوز أن يحمل على النهي عن صوم باقي الشهر إذ ليس ذلك بينا ولا يخلو شعبان من أن يكون ثلاثين أو تسعا وعشرين فإذا كان ذلك فانتصافه بتمامه خمسة عشر يوما وإن كان تسعا وعشرين فانتصافه في نصف اليوم الخامس عشر ولم ينه إلا عن الصيام بعد النصف فحصل بذلك النهي عن صيام السادس عشر بلا شك أهـ كلام أبي محمد وهو الذي قال : إن صوم السادس عشر لا يجوز وعلل بما ذكرناه ، والله أعلم . (ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما [ ص: 257 ] فإن وصل شعبان برمضان فجائز فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة) .

قال العراقي : رواه الأربعة من حديث أم سلمة : "لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان " ، ولأبي داود والنسائي نحوه من حديث عائشة (وفصل بينهما مرارا كثيرة) .

قال العراقي : رواه أبو داود من حديث عائشة قالت : "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام " ، وأخرجه الدارقطني وقال إسناده صحيح والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .

(ولا يجوز أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو بثلاثة إلا أن يوافق وردا له) فلا بأس .




الخدمات العلمية