الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : لا تحل الصدقة لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس

التالي السابق


وقال النووي في الروضة: وصرفها إلى الأقارب والحيوان أفضل، والأولى أن يبدأ بذي الرحم المحرم؛ كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال، ويقدم الأقرب فالأقرب، وقد ألحق الزوج والزوجة بهؤلاء، ثم بذي الرحم غير المحرم؛ كأولاد العم والخال، ثم المحرم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم المولى من أعلى وأسفل، ثم الجار، فإذا كان القريب بعيد الدار في البلد قدم على الجار الأجنبي، فإن كان الأقارب خارجين عن البلد قدم الأجنبي وإلا فالقريب، وكذا أهل البادية؛ فحيث كان القريب والأجنبي الجار بحيث يجوز الصرف إليهما قدم القريب. اهـ .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة. اهـ .

قلت: ورواه أحمد والطحاوي كذلك، ولفظ مسلم من طريق مالك عن الزهري أن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن الحارث بن ربيعة، حدثه، قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين -قال لي وللفضل ابن العباس- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلماه فأمرهما على هذه الصدقة، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما على ذلك، جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا، فوالله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك، قال علي: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع علي، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصران، ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب ابنة جحش، قال: فتواكلنا ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب ما يصيبنا، قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه، قال ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا إلي محمأة، وكان على الخمس، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فجاء آله، فقال لمحمأة: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام لي. فأنكحني، وقال لمحمأة: اصدق عنهما من الخمس. كذا، وكذا، قال الزهري: ولم يسمه لي، وفي طريق أخرى لمسلم، فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه، فقال: أنا أبو حسن القوم، والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما أبناؤكما بخير ما بعثتما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. وفيه: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي محمأة بن جزء، وهو رجل من بني أسد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله على الأخماس. ولم يخرج البخاري هذا الحديث ولا أخرج عن عبد المطلب بن ربيعة في كتابه شيئا، وقد أخرج تحريم الصدقة على آل محمد من حديث أبي هريرة، وأخرجه الطحاوي من طريق جريرة بن أسماء عن مالك عن الزهري كسياق مسلم الأول، سواء .

وأخرج الترمذي والنسائي والحاكم والطحاوي عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم.



(تنبيه)

لفظ المصنف: لا تحل، وارد عند مسلم في بعض طرقه كما عرفت، وفي بعضها: لا تنبغي، واستعمالها صالح للكراهة والتحريم باعتبار قيام القرينة، وهو هنا للتحريم، والقرينة محكمة، ويؤيده رواية: لا تحل، وهي صريحة، والمراد بالصدقة المعرفة بالألف واللام المعهودة وهي الزكاة، ونبه على أن علة التحريم الكراهة بقوله: إنما هي أوساخ الناس؛ لأنها تطهر أدرانهم، فهي كغسالة الأوساخ، فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض، وفيه خلاف أبي حنيفة، وقد تقدم .

قال الطيبي: وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى؛ حيث جعل المشبه به أوساخ الناس للتهجين والتقبيح؛ تنفيرا واستقذارا، وجل حضرة الرسالة أن ينسب إلى ذلك؛ ولذلك جرد من نفسه الطاهرة من أن يسمي محمدا كأنه غيره وهو هو، قلت: ولكن في رواية لمسلم، التي ذكرناها: لا تحل لمحمد ولا [ ص: 171 ] لآل محمد، ففيه تصريح بذكر اسمه الشريف، وسئل بعض الآل -عمر أو غيره- جملا من الصدقة، فقال: أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت رثغه فشربته؟! فغضب، وقال: أتقول لي هذا؟! قال: إنما هي أوساخ الناس يغسلونها.

(فإن قلت) : فقد أصدق النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل والمطلب من الخمس، وحكمه حكم الصدقات، قلت: قد يجوز أن يكون ذلك من سهم ذوي القربي في الخمس، وذلك خارج من الصدقات المحرمة عليه؛ لأنه إنما حرم عليهم أوساخ الناس، والخمس ليس كذلك .




الخدمات العلمية