الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع ويدعو بالشر عند الإيذاء وأحواله متفاوتة .

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفا إلى بعض الفقراء ، وقال للرسول : احفظ ما يقول ، فلما أخذ قال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره ، ثم قال : اللهم إنك لم تنس فلانا يعني نفسه ، فاجعل فلانا لا ينساك يعني بفلان نفسه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

فسر ، وقال صلى الله عليه وسلم : علمت أنه يقول ذلك
فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده وقال صلى الله عليه وسلم لرجل : تب ، فقال : أتوب إلى الله وحده ولا أتوب إلى محمد ، فقال صلى الله عليه وسلم : عرف الحق لأهله ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قال أبو بكر رضي الله عنه : قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعها يا أبا بكر وفي لفظ آخر : أنها رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه : بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ذلك مع أن الوحي وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ورؤية الأشياء من غير الله سبحانه وصف الكافرين قال الله تعالى : وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث أنهم وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره .

فليتق الله سبحانه في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه .

التالي السابق


وأشار المصنف إلى نقص هذا المقام بوجه آخر، فقال: (وأما الذي يمدح بالعطاء ويدعو بالخير فسيذم بالمنع) ويقع فيه عنده (ويدعو بالشر عند اليأس من العطاء) فيكون هو سبب حمله عليه، وهو آمن مطمئن، هذا كله في الموقن المشاهد، وهو لا يأخذ رزقه إلا من الله تعالى ولا يعبد إلا الله تعالى، ولا يطلب إلا منه كما أمره في قوله: فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه (وأحواله متفاوتة، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث معروفا إلى بعض الفقراء، وقال للرسول: احفظ ما يقول، فلما أخذ قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره، ثم قال: اللهم إنك لم تنس فلانا يعني نفسه، فاجعل فلانا لا ينساك يعني فلان نفسه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فسر به، وقال: قد علمت أنه يقول ذلك) هكذا هو في القوت. إلا أنه لما قال: فلما أوصله إليه قال: الحمد لله.. إلخ، وقال في أوله: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى [ ص: 131 ] بعض الفقراء بمعروف، والباقي سواء، وقال: وقد يروى ذلك عن عمرو ابن أبي الدرداء مع حدير رضي الله عنهم اهـ .

وقال العراقي: لم أجد له أصلا إلا في حديث ضعيف من حديث ابن عمر رواه ابن منده في الصحابة، ولم يسبق فيه هذه اللفظة التي أوردها المصنف، وسمي الرجل حديرا، وقد روينا من طريق البيهقي أنه وصل لحدير من أبي الدرداء أشياء، فقال: اللهم إنك لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك، وقيل: إن هذا آخر، لا صحبة له يكنى أبا بردة، وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وذكره في الصحابة أبو أحمد الحاكم وابن عبد البر.

وروى ابن الجوزي في صفوة الصفوة من طريق الخلال قصة حدير هذا. اهـ .

(فانظر كيف قصر التفاته) أي: الرجل المذكور (إلى الله وحده) حيث ما رأى المعطي إلا الله .

(وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: تب، فقال: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد، فقال صلى الله عليه وسلم: عرف الحق لأهله) هكذا هو في القوت، وقال العراقي: رواه أحمد والطبراني من حديث الأسود بن سريع بسند ضعيف ا ه .

قلت: وكذلك رواه الحاكم في التوبة، والبيهقي والضياء عنه، ولفظهم جميعا قال: جيء بأسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: تب، فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد، فقال صلى الله عليه وسلم: عرف الحق لأهله خلوا سبيله. وقال الحاكم: صحيح. ورده الذهبي، وقال: فيه محمد بن مصعب ضعفوه، وقال الهيثمي: فيه عند أحمد والطبراني محمد بن مصعب، وثقه أحمد وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح. (ولما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك) المشهورة قال لها (أبو بكر رضي الله عنه: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها يا أبا بكر) .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث عائشة بلفظ: فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أحمد الله لا إياكما. وللبخاري تعليقا: فقال أبواي: قومي إليه، فقلت: لا والله، لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، لكن أحمد الله. وله ولمسلم، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله. وللطبراني من حديث ابن عمر: قال أبو بكر: قومي فاحتضني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا والله لا أدنو منه، (وفي لفظ: أنها قالت لأبي بكر رضي الله عنهما: بحمد الله لا بحمدك) . رواه الطبراني من حديث ابن عمر، وفي لفظ آخر: لا بحمدك (ولا بحمد صاحبك) رواه الطبراني من حديث ابن عباس، وله أيضا من حديث عائشة فقالت: بحمد الله لا بحمد صاحبك، (فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ذلك) بل سره وأمر أباها بالكف عنها، (مع أن الوحي) في شأنها (وصل إليها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ولكنها قد عرفت الحق لأهله، (ورؤية الأشياء من غير الله تعالى وصف الكافرين) فإن شأنهم إذا ذكر الله وحده في شيء تقبضت قلوبهم، وإذا ذكر غيره فرحوا، وجعل الله من نعتهم أنه إذا ذكر توحيده تعالى وإفراده عند شيء غطوا ذلك وكرهوه، وإذا أشرك غيره في ذلك صدقوا به (قال الله تعالى: وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) وقال أيضا: ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم والكفر التغطية، وإن يشرك به تؤمنوا والشرك الخلط، وأن يخلط بذكره ذكر من سواه، ثم قال: فالحكم لله العلي الكبير ، أي: العلي في عظمته، الكبير في سلطانه، لا شريك له في ملكه وعطائه، ولا ظهير له من عباده، ففي دليل هذا الكلام وفهمه من الخطاب أن المؤمنين إذا ذكر الله تعالى بالتوحيد والإفراد في شيء انفردت صدورهم، واتسعت قلوبهم، واستبشروا بذكر الله وتوحيده، وإذا ذكرت الأواسط والأسباب التي دونه كرهوا ذلك واشمأزت قلوبهم، وهذه علامة صحيحة فاعرفها من قلبك أو من قلب غيرك لتستدل بها على حقيقة التوحيد في القلب، أو وجود خفي الشرك في النفس، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (ومن لم يصف باطنه عن رؤية الوسائط إلا من حيث أنهم وسائط فكأنه لم ينفك عن الشرك الخفي سره؛ فليتق الله في تصفية توحيده عن كدورات الشرك وشوائبه) ، والله الموفق .




الخدمات العلمية