الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويفوت وقت ركعتي الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع الشمس ولكن السنة أداؤهما قبل الفرض فإن دخل المسجد وقد قامت الصلاة فليشتغل بالمكتوبة فإنه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة .

التالي السابق


( وتفوت ركعتا الفجر بفوات وقت فريضة الصبح وهو طلوع الشمس والسنة أداؤهما قبل الفرض) أي وقت أدائهما ممتد إلى خروج وقت الصبح فتفوت بفواته، وكذا سائر الرواتب المتقدمة على الفرائض يستمر وقتها بعد فعل الفريضة إلى خروج الوقت، وإن كان الأصل فعلها قبل الفرائض .

قال الولي العراقي: بل في ركعتي الفجر وجه عندنا أن وقتهما يستمر إلى زوال الشمس، وجوابهم عن الأحاديث الآتية الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم صلاهما قبل الفرض هو أنه بيان للأفضل، وليس يلزم خروج وقتهما بفعل الفرض، والفعل لا يدل على الوجوب ا هـ .

وقال أبو حنيفة وأحمد: يفوت وقتهما بفعل فرض الصبح نظرا إلى ظاهر الأحاديث؛ فإنه صلى الله عليه وسلم بين بفعله وقتهما فلا يتعدى ( فإن دخل المسجد) لصلاة الصبح، ولم يكن صلاهما في بيته صلاهما في المسجد وأجزأنا عنه من تحية المسجد .

فإن دخل ( وقد قامت الصلاة فليشتغل بالمكتوبة) أي الفرض مع الجماعة؛ ( قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) أي: إذا شرع في إقامتها فلا صلاة كاملة سالمة من الكراهة إلا المكتوبة التي أقيم لها، فلا ينبغي إنشاء صلاة حينئذ غير المفروضة الحاضرة، وحمل بعضهم النفي بمعنى النهي؛ أي: فلا تصلوا حينئذ؛ وذلك لئلا يفوته فضل التحريمة مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة، وما يناله من الأجر لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه. قال العراقي: أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ا هـ .

قلت: وأخرجه أحمد بلفظ: "إلا التي أقيمت"، وابن حبان بلفظ: "إذا أخذ المؤذن في الإقامة"، وأخرجه الأربعة مثل لفظ مسلم، وفي الباب عن ابن عمر وغيره، وأما ما جاء في بعض الروايات زيادة "إلا ركعتي الفجر" فقال البيهقي: لا أصل لها. وقال الكمال بن الهمام من أصحابنا: وأشدها كراهة أن يصلي عند إقامة المكتوبة مخالطا للصف، كما يفعله كثير من الجهلة، ونقل المناوي في شرح الجامع الصغير نقلا عن المطامح أن هذه المسألة وقعت لأبي يوسف حين دخل مسجد المدينة والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم دخل مع الإمام، فقال له رجل من العامة: يا جاهل، الذي فاتك من أجر فرضك أعظم مما أدركت من ثواب نفلك. ا هـ .

قلت: أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي، عن مسروق: أنه دخل المسجد، والقوم في صلاة الغداة، ولم يكن صلى الركعتين فصلاهما في ناحية، ثم دخل مع القوم في صلاتهم، وعن سعيد بن جبير أنه جاء إلى المسجد، والإمام في صلاة الفجر فصلى الركعتين قبل أن يلج المسجد عند باب المسجد، وعن أبي عثمان النهدي قال: رأيت الرجل يجيء وعمر بن الخطاب في صلاة الفجر فيصلي الركعتين في باب المسجد ثم يدخل [ ص: 334 ] مع القوم في صلاتهم، وعن مجاهد قال: إذا دخلت المسجد والناس في صلاة الصبح، ولم تركع ركعتي الفجر فاركعهما، وإن ظننت أن الركعة الأولى تفوتك. وعن وبرة قال: رأيت ابن عمر يفعله، وعن إبراهيم أنه كره إذا جاء والإمام يصلي أن يصليهما في المسجد، وقال: يصليهما في باب المسجد أو في ناحية، وعن أبي الدرداء قال: إني لأجيء إلى القوم وهم صفوف في صلاة الفجر فأصلي الركعتين، ثم أنضم إليهم. فهذه الآثار دالة على جواز فعل أبي يوسف، وكفى له بهؤلاء قدوة، فالذي قال له: يا جاهل. هو الجاهل بالسنة، ولا ينبغي لصاحب المطامح ولا المناوي الذي نقله أن يسكت على مثل هذا؛ فإن الإزراء بمقام المجتهدين مما يضر بالدين، والله أعلم .




الخدمات العلمية