الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة ، أو رمي حصاة لا بالنطق .

وفي حديث أبي ذر أنه لما سأل أبيا والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : متى أنزلت هذه السورة ، فأومأ إليه أن اسكت ، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبي : اذهب ، فلا جمعة لك ، فشكاه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : صدق أبي .

التالي السابق


(وهذا يدل على أن الإسكات) لغيره (ينبغي أن يكون بإشارة، أو رمي حصاة) عليه (لا بالنطق) باللسان، ولفظ القوت: ولا يقول لإنسان آخر: اسكت، ولكن يومئ إليه إيماء، أو يحصبه بحصاة، فإن لغا والإمام يخطب بطلت جمعته (وفي حديث أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله عنه- (لما سأل أبي) بن كعب -رضي الله عنه- (والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: متى أنزلت هذه السورة، فأومأ إليه أن اسكت، فلما نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له أبي: اذهب، فلا جمعة لك، فشكاه أبو ذر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: صدق أبي) . هكذا أورده صاحب القوت .

قال العراقي: أخرجه البيهقي، وقال في المعرفة: إسناده صحيح، ولابن ماجه من حديث أبي بن كعب بإسناد صحيح أن السائل له أبو الدرداء، أو أبو ذر، ولأحمد من حديث أبي الدرداء أنه سأل أبيا، ولابن حبان من حديث جابر أن السائل عبد الله بن مسعود، ولأبي يعلى من حديث جابر قال: قال سعد بن أبي وقاص لرجل: لا جمعة لك، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم يا سعد؟ قال: لأنه كان يتكلم وأنت تخطب، قال: صدق سعد. اهـ .

قلت: والظاهر أن القصص مختلفة. قال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف: حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن جابر قال: قال سعد لرجل يوم الجمعة: لا صلاة لك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لم يا سعد؟ قال: إنه تكلم وأنت تخطب، فقال: صدق سعد. وحدثنا هشيم، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي أن أبا ذر، أو الزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يقرؤها وهو على المنبر يوم الجمعة، قال: فقال لصاحبه: متى أنزلت هذه الآية؟ قال: فلما قضى صلاته، قال له عمر بن الخطاب: لا جمعة لك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر ذلك له، فقال: صدق عمر، وقال أبو جعفر الطحاوي: حدثنا أبو بكرة، وابن مرزوق قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن سعيد هو ابن أبي هند، عن حرب بن قيس، عن أبي الدرداء قال: جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة على المنبر يخطب الناس، فتلا آية، وإلى جنبي أبي بن كعب، فقلت له: يا أبي متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني حتى إذا نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المنبر قال: ما لك من جمعتك إلا ما لغوت، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجئته، فأخبرته، فقلت: يا رسول الله، إنك تلوت آية، وإلى جنبي أبي، فسألته متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني حتى نزلت زعم أنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغوت، فقال: صدق، فإذا سمعت إمامك يتكلم فاسكت حتى ينصرف، وحدثنا أحمد بن داود، حدثنا عبد الله بن محمد التيمي، أخبرنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمر، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة، فقرأ سورة، فقال أبو ذر لأبي بن كعب: متى نزلت هذه السورة؟ فأعرض عنه، فلما قضى رسول الله -صلى الله [ ص: 269 ] عليه وسلم- قال أبي لأبي ذر: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فدخل أبو ذر على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صدق أبي، وهذه الرواية الأخيرة موافقة لسياق المصنف، ويقرب من هذه القصة ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، فقال: حدثنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله، عن علقمة بن عبد الله قال: قدمنا المدينة يوم الجمعة، فأمرت أصحابي أن يترحلوا فأتيت المسجد، فجلست قريبا من ابن عمر، فجاء رجل من أصحابي، فجعل يحدثني والإمام يخطب، فقلنا كذا، وكذا، فلما أكثر قلت له: اسكت، فلما قضينا الصلاة ذكرت ذلك لابن عمر، فقال: أما أنت، فلا جمعة لك، وأما صاحبك، فحمار، وفي كل هذه الأخبار دليل لأبي حنيفة، ومالك في حرمة الكلام، والصلاة، والإمام يخطب، ثم إن هذا الذي تقدم فيما إذا كان في الصف الأول، أو الثاني قريبا من الإمام .




الخدمات العلمية