وأما الأسباب الباطنة فهي أشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل فهذا طريقه أن ، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وهو المطلع ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره . يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي شيبة إني نسيت أن أقول لك أن : تخمر القدر الذي في البيت فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم فهذا طريق تسكين الأفكار .
فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في ولا شك أنها تعود إلى مهماته وأنها إنما صارت مهمات لشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص منه بإخراجه كما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته وقال صلى الله عليه وسلم : اذهبوا بها إلى الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وائتوني ، بأنبجانية أبي جهم .