الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الرجاء فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ، ولكن لا يرجو مثوبته والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله عز وجل ، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل .

وأما الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء ؛ حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب .

التالي السابق


(وأما الرجاء) وهي الجملة الخامسة فاختلف فيه على أقوال، فقيل: هو ترتب الانتفاع بما تقدم له سبب ما وقيل: هو تعلق القلب بحصول محبوب مستقبل، وقيل: ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة، وعلى كل حال (فلا شك أنه) أمر (زائد) على ما تقدم، (فكم من معظم ملكا من الملوك يهابه ويخاف سطوته، ولكن لا يرجو مثوبته) ، فإن قلت: الأمل قد يطلق بمعنى الرجاء، ومعناهما متقارب، فلم اختار الرجاء دون الأمل؟

قلت: لأن الرجاء معه خوف، فلذلك جاء بمعنى خاف، نحو قوله تعالى: ما لكم لا ترجون لله وقارا ، ولا يقال: أمل إذا خاف، ففي الرجاء معنى زائد على الأمل، وإلى الجمع بين المرتبتين الأمل والخوف أشار المصنف فقال: (والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله عز وجل، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل) ، والمعنيان موجودان في لفظ الرجاء، وإن كان وراء ذلك مقام آخر لأهل الإخلاص، واليقين هو أن لا يقصد بصلاته بل بعباداته كلها حوز ثواب أو دفع عقاب، فقد قيل: من عبد الله بعوض فهو لئيم، ولكن لكل مقال مقام كما أن لكل مقام مقالا .

(وأما الحياء) وهي الجملة السادسة، (فهو) انقباض النفس من شيء حذرا من الملام، وهو نوعان: نفساني وهو المخلوق في النفوس كلها، كالحياء عن كشف العورة، والجماع بين الناس، وإيماني وهو امتناعه من فعل المحرم خوفا من الله تعالى، وهذا (أمر زائد على الجملة) ، ثم من يستحى منه ثلاثة من البشر؛ وهم أكثر من يستحى منه ومن نفسه، ثم من الله عز وجل، ومن استحى من الناس ولم يستح من نفسه، فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحى منهما ولم يستح من الله دل على قلة معرفته به، ومن لم يعرف الله فكيف يستعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استحيوا من الله حق الحياء". ففي ضمنه حث لمعرفته، وقال تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى ، تنبيها على أن العبد إذا علم أن الله يراه استحى من ارتكاب الذنوب، وسئل الجنيد عما يتولد منه الحياء فقال: رؤية العبد إلى الله، ورؤية تقصيره في شكره. وإليه أشار المصنف بقوله: (لأن مستنده استشعار تقصيره) ، أي: في أداء [ ص: 122 ] ما وجب في شكره (وتوهم ذنب) صدر منه رآه الله عليه، (و) قد (يتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء؛ حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب) ، فلا بد من حصوله للمصلي أن يكون مستشعرا بتصوره متذكرا لعيوبه، ذاكرا اطلاع الله -عز وجل- عليه، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية