الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بتمام تشديداتها وحروفها ويجتهد في الفرق بين الضاد والظاء .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (بتمام تشديداتها) قال الرافعي : ولو خفف حرفا مشددا، فقد أخل بحرف؛ لأن المشدد حرفان مثلان، أولهما ساكن، فإذا خففه فقد أسقط أحدهما، وقال الخطيب في "شرح المنهاج": تشديدات الفاتحة منها؛ لأنها هيئات لحروفها المشددة، ووجوبها شامل لهيآتها، فالحكم على التشديد بكونه من الفاتحة فيه تجوز، كذا عبر في "المحرر"، ويجب رعاية تشديداتها وهي أربع عشرة تشديدة؛ منها ثلاث في البسملة، فلو خفف فيها بطلت قراءة تلك الكلمة لتغييره النظم، بل قال في "الحاوي" و"البحر": لو ترك الشدة من قوله إياك نعبد متعمدا وعرف معناه إنه يكفر؛ لأن الإيا ضوء الشمس، ولو شدد المخفف أساء، وأجزأه كما قاله الماوردي والروياني (وتمام حروفها) ، وهي مائة وواحد وأربعون حرفا بالبسملة من غير ألف "مالك" و"الرحمن"، ومن غير عد المشدد بحرفين، وفي "المنهاج" للنووي: ولا يجوز نقص حروف البدل عن الفاتحة في الأصح، قال الخطيب الشربيني: وحروفها مائة وخمسة وستون حرفا بالبسملة بقراءة مالك بالألف، قال في "الكفاية": ويعد الحرف المشدد من الفاتحة بحرفين من الذكر، وقال المصنف في "الوجيز": ثم كل [ ص: 48 ] حرف وتشديد ركن، قال الرافعي : لا شك أن فاتحة الكتاب من هذه الكلمات المنظومة، والكلمات المنظومة مركبة من الحروف المعلومة، فإذا قال الشارع صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وقد وقف الصلاة على جملتها، والموقوف على أشياء مفقود عند فقد بعضها كما هو مفقود عند فقد كلها، فلو أخل بحرف منها لم تصح صلاته .

قلت: وعلى هذا لو أبدل ذال "الذين" المعجمة بالمهملة لم تصح كما اقتضاه إطلاق الرافعي وغيره الجزم به خلافا للزركشي ومن تبعه كما نقله الخطيب، (ويجتهد في الفرق بين الضاد) المعجمة (والظاء) المشالة. قال صاحب "المصباح": الضاد حرف مستطيل ومخرجه من طرف اللسان إلى ما يلي الأضراس، ومخرجه من الجانب الأيسر أكثر من الأيمن، والعامة تجعله ظاء فتخرجه من طرف اللسان وبين الثنايا، وهي لغة حكاها الفراء عن الفضل قال: ومن العرب من يبدل الضاد ظاء، فيقال: عظت الحرب بني تميم، ومن العرب من يعكس فيبدل الظاء ضادا، فيقول في الظهر ضهر، وهذا وإن نقل في اللغة وجاز استعماله في الكلام، فلا يجوز العمل به في كتاب الله تعالى؛ لأن القراءة سنة متبعة، وهذا غير منقول فيها اهـ .

وقال الرافعي : وهل يستثنى إبدال الضاد فيها بالظاء؟ ذكروا وجهين؛ أحدهما: نعم، فيحتمل ذلك لقرب المخرج وعسر التمييز، وأصحهما: لا يستثنى، ولو أبدل كان كإبدال غيرهما من الحروف، وكما لا يحتمل الإخلال بالحروف لا يحتمل اللحن المخل للمعنى، بل تبطل صلاته إن تعمد، ويعيد على الاستقامة إن لم يتعمد اهـ .

وقال العراقي في "شرح البهجة": ويجب الإتيان بجميع حروف الفاتحة وتشديداتها، فلا يصح الإتيان بالظاء في موضع الضاد، وإن تقاربا في المخرج، وفي تعبير الرافعي والنووي بقولهما "فلا تبدل الضاد بالظاء" نظر؛ لأن مقتضاه المنع من ترك الظاء والإتيان بالضاد، إذ الباء تدخل على المتروك، وليس هو المراد، فلو نطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف كما ينطق بها العرب لم يضر كما في "الكفاية"، وسبقه إليه البندنيجي والروياني فجزما بالصحة مع الكراهية، ومال المحب الطبري إلى البطلان، وفي "شرح المهذب": فيه نظر، انتهى .

قلت: أما القاف المشوبة بالكاف العجمية فقد أفتى بصحة الصلاة بها ابن حجر المكي، وعليه اعتمد فقهاء اليمن، وهي لغتهم عامة، وهكذا نقله المزجد في "التجريد" عن "الكفاية" بأنه لا يضر .

وأما ما ذكره من الرد على الشيخين في عبارتهما فقد أجاب عنه السبكي في "شرح المنهاج"، ونقله الخطيب الشربيني وغيره، وهذا نص الخطيب: "فإن قيل: كان الصواب أن يقول: ولو أبدل ظاء بضاد، إذ الباء مع الإبدال تدخل على المتروك لا على المأتي به، كما قال تعالى: ومن يتبدل الكفر بالإيمان وقال تعالى: وبدلناهم بجنتيهم جنتين ، أجيب بأن الباء في التبديل والإبدال إذا اقتصر فيهما على المتقابلين ودخل على أحدهما إنما تدخل على المأخوذ لا على المتروك، فقد نقل الأزهري عن ثعلب: بدلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم، إذا أذبتها وجعلتها خاتما، وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه. قال السبكي بعد نقله بعض ذلك عن الواقدي عن ثعلب عن الفراء: ورأيته في شعر الطفيل بن عمرو الدوسي، وساق له شعرا قال: ومنشأ الاعتراض توهم أن الإبدال المساوي للتبديل كالاستبدال والتبدل، فإن ذينك تدخل الباء فيهما على المتروك. قال شيخنا، يعني به زكريا: وبذلك علم فساد ما اعترض به على الفقهاء من أن ذلك لا يجوز، بل يلزم دخولها على المتروك اهـ .

وقال الرافعي : وقول المصنف في "الوجيز": "ثم كل حرف وتشديد ركن" يجوز أن يريد به أنه ركن من الفاتحة؛ لأن ركن الشيء أحد الأمور التي يلتئم منها ذلك الشيء، ويجوز أن يريد به أنه ركن من الصلاة؛ لأن الفاتحة من أركان الصلاة، والأول أصوب؛ لئلا تخرج أركان الصلاة عن الضبط .




الخدمات العلمية