الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أي قارب أن ينخلع عن الإيمان بانحلال عروته وسقوط عماده كما يقال لمن قارب البلدة إنه بلغها ودخلها .

وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك صلاة متعمدا فقد برئ من ذمة محمد عليه السلام " وقال أبو هريرة رضي الله عنه : " من توضأ فأحسن وضوءه ، ثم خرج عامدا إلى الصلاة ، فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وأنه " يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة ، وتمحى عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا ينبغي له أن يتأخر فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا ، قالوا : لم يا أبا هريرة ؟ قال : من أجل كثرة الخطا .

. ويروى إن أول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة الصلاة فإن وجدت تامة قبلت منه وسائر عمله وإن وجدت ناقصة ردت عليه وسائر عمله وقال صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة ، فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب وقال بعض العلماء مثل المصلي مثل التاجر الذي لا يحصل له الربح حتى يخلص له رأس المال وكذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول : إذا حضرت الصلاة قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها .

التالي السابق


واختلف في معنى قوله: "فقد كفر" فقيل معناه (أي) استوجب عقوبة من كفر، أو (قارب أن ينخلع عن الإيمان بانحلال عروته وسقوط عماده) ، وهذا (كما يقال لمن قارب البلدة أنه بلغها ووصلها) ، أي: نزلها، أو فعل فعل الكفار، وتشبه بهم، لأنهم لا يصلون، أو فقد ستر تلك الأقوال والأفعال المخصوصة التي كلفه الله بأن يبديها. (وقال صلى الله عليه وسلم: "من ترك صلاة متعمدا فقد برئ من ذمة محمد صلى الله عليه وسلم") .

قال العراقي: أخرجه أحمد والبيهقي من حديث أم أيمن بنحوه، ورجال إسناده ثقات اهـ .

قلت: وعند ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي الدرداء، وعن الحسن مرسلا: " من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته من غير عذر، فقد حبط عمله"، وعند أبي نعيم من حديث أبي سعيد : "من ترك الصلاة متعمدا كتب اسمه على باب النار فيمن يدخلها". وعند البيهقي في المعرفة عن نوفل : "من ترك الصلاة فكأنما وتر أهله وماله" .

(وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا) ، أي: قاصدا (إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة") . ظاهر سياقه أنه من كلام أبي هريرة، وقد أخرج ابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة رفعه: "من توضأ ثم خرج يريد الصلاة، فهو في الصلاة حتى يرجع إلى بيته". (وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، وتمحى عنه بالأخرى سيئة) ، وهذه الجملة أيضا رويت مرفوعة [ ص: 11 ] من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو الشيخ ولفظه: "من توضأ فأحسن وضوأه، ثم خرج إلى المسجد، كتب الله له بإحدى رجليه حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة". (فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع) ، أي: لا يسرع في المشي، (فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطا.) ، وهذا أيضا قد روي مرفوعا من حديثه بلفظ: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه". أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم، وعند ابن عساكر من حديث أنس: "إذا سمعت النداء، فأجب وعليك السكينة". وأخرج ابن ماجه من حديثه أيضا: "أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم".

(ويروى أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد يوم القيامة) ، أي: عند العرض، (الصلاة) ؛لأن الله قد آذنه بتعظيم أمرها، وأشار إليه بالاهتمام بشأنها، وأنها مقدمة عنده على غيرها حيث كانت أول شيء بدأ به عباده من الفرائض، فناسب أن يكون أول السؤال عنها، إذ لا عذر له حينئذ (فإن وجدت تامة) ، أي: أديت بشروطها وأركانها (قبلت منه و) يتبعها (سائر عمله) ، أي: باقيه (وإن وجدت ناقصة) قد ضيعت حدودها (ردت عليه و) رد (سائر عمله) .

قال العراقي: رويناه في الطوريات من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف، ولأصحاب السنن والحاكم، وصحح إسناده نحوه من حديث أبي هريرة، وسيأتي اهـ .

قلت: تقدم قريبا حديث أنس عند الطبراني في "الأوسط": "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله". وأخرج الحاكم في الكنى عن ابن عمر : "أول ما افترض الله تعالى على أمتي الصلوات الخمس، وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس، وأول ما يسألون عن الصلوات الخمس". الحديث، وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن تميم الداري : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة". الحديث، (وقال صلى الله عليه وسلم) لأبي هريرة (يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة، فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب) .

قال العراقي: لم أقف له على أصل اهـ .

قلت: وهو من نسخة جمع فيها أحاديث يقول في أول كل منها: يا أبا هريرة، وهذه النسخة موضوعة باتفاق المحدثين، إلا أن بعض ما فيها ما هو صحيح باللفظ أو بالمعنى، كالذي نحن فيه، فإن معناه صحيح، لما أخرج عبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد عن معمر عن رجل من قريش قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله بعض الضيق في الرزق أمر أهله بالصلاة، ثم قرأ هذه الآية وأمر أهلك بالصلاة ". ونحوه الطبراني في "الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" ما هو مذكور في "الدر المنثور" .

(وقال بعض العلماء) رحمه الله تعالى: (مثل المصلي مثل التاجر الذي لا يحصل له الربح) ، أي: الفائدة في تجارته، (حتى يخلص له رأس المال) ، أي: المال الأصلي (وكذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة) ، فالفريضة في العبادات بمنزلة رأس مال التاجر، والنوافل بمنزلة الأرباح، وفي القوت، وقال الفضيل بن عياض : الفرائض رؤوس أموال، والنوافل الأرباح، ولا يصح ربح إلا بعد إحراز رأس المال. (وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول:) للحاضرين (إذا حضرت الصلاة) ، أي: وقتها، أو أقيمت، (قوموا) أيها الناس (إلى ناركم) ، أي: نار ذنوبكم (فأطفئوها) بالصلاة .

قلت: وهذا قد روي مرفوعا من حديث أنس، أخرج الطبراني في "الكبير" والضياء في "المختارة" بلفظ: "إن لله تعالى ملكا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم فأطفئوها بالصلاة"، أي: خطاياكم التي ارتكبتموها وظلمتم فيها أنفسكم حتى أعدت لكم مقاعد في جهنم التي وقودها الناس والحجارة، فامحوا أثرها بفعل الصلاة، فإنها مكفرة للذنوب، وزاد في رواية: "وبالصدقة وفعل القربات تمحى الخطيئات".




الخدمات العلمية