الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فمن علم العلم الواجب ووقت وجوبه فقد علم العلم الذي هو فرض عين ، وما ذكره الصوفية من فهم خواطر العدو ولمة الملك حق أيضا ولكن في حق من يتصدى له فإذا كان الغالب أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد فيلزمه أن يتعلم من علم ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجا إليه وكيف لا يجب عليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ولا ، ينفك عنها بشر ، وبقية ما سنذكره من مذمومات أحوال القلب كالكبر والعجب وأخواتها تتبع هذه الثلاث المهلكات وإزالتها فرض عين ولا يمكن إزالتها إلا بمعرفة حدودها ، ومعرفة أسبابها ، ومعرفة علاماتها ومعرفة علاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه والعلاج هو مقابلة السبب بضده وكيف يمكن دون معرفة السبب والمسبب وأكثر ما ذكرناه في ربع المهلكات من فروض الأعيان وقد تركها الناس كافة اشتغالا بما لا يعني .

التالي السابق


(فمن علم العمل الواجب وقت وجوبه علم العلم الذي هو فرض عين، وما ذكره) السادة (الصوفية) بأن المراد بالعلم المفروض هو القدر الواجب (من فهم خاطر العدو) وهو الشيطان (ولمة الملك) والتمييز بينهما .

واعلم أن الخاطر عندهم ما يرد على القلب من الخطاب من غير إقامة، وهو على أربعة أقسام:

رباني: وهو أول الخواطر، ولا يخطئ أبدا، وقد يعرف بالقوة والتسلط وعدم الاندفاع .

وملكي: وهو الباعث على مندوب أو مفروض، ويسمى إلهاما .

ونفسي: وهو ما فيه حظ للنفس، ويسمى هاجسا .

وشيطاني: وهو ما يدعو إلى مخالفة الحق فذلك (حق أيضا ولكن) ليس في حق كل أحد، إنما هو (في حق من يتصدى له) ويتعرض ممن هو في سلوك طريق الحق .

(وإذا كان الغالب) في الأحوال (أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد) وغير ذلك من الأوصاف الذميمة (فيلزمه أن يتعلم من ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجا إليه) غير مستغن عنه (وكيف لا يجب) عليه (وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (فيما رواه أبو بكر البزار في مسنده وأبو نعيم في الحلية من رواية زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك، رفعه: "ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، و (ثلاث مهلكات) أي: متوقعات في الهلاك لفاعلها:

أما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في البردات، ونقل الأقدام إلى الجماعات .

وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام .

وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية .

وأما المهلكات: (فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، الحديث) أي: إلخ، إشارة إلى أن الحديث له بقية، وهو الذي أوردناه، والمراد بالشح المطاع: هو البخل الذي يطيعه الناس، فلا يؤدون الحقوق .

قال الراغب: خص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به ذم؛ إذ ليس هو من فعله، وإنما يذم بالانقياد له، وقد أخرج هذا الحديث بتلك الزيادة أيضا أبو الشيخ في التوبيخ، وقد روي مقتصرا على ذكر المهلكات كما للمصنف من رواية أيوب بن عتبة، عن الفضل بن بكر، عن قتادة، عن أنس.

وهكذا رواه البيهقي في شعب الإيمان، وكلا الإسنادين ضعيف، ورواه ابن حبان في الضعفاء، والطبراني في الأوسط من رواية حميد بن الحكم، عن الحسن، عن أنس، ويروى أيضا عن ابن عمر، أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير عنه .

وأخرج ابن حبان في الضعفاء من رواية محمد بن عوف الخراساني، عن محمد بن زيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رفعه: "المهلكات ثلاث: إعجاب المرء بنفسه، وشح مطاع، وهوى متبع".

ورواه ابن عدي من هذا الوجه، ومن رواية عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس. وفي الباب عن أبي هريرة، وابن أبي أوفى، وأبي ثعلبة.

(فلا ينفك عنها بشر، وبقية ما سنذكره من مذمومات أحوال القلب) وصفاتها (كالكبر والعجب وأخواتهما تتبع هذه الثلاث المهلكات) ولما كانت هذه الثلاث كالأصول لبقية المهلكات وقع الاقتصار عليها؛ لأنه ما من صفة ذميمة إلا وأصلها إحدى هذه الثلاثة (وإزالتها) عن القلب (فرض عين ولا يمكن) ذلك (إلا بمعرفة حدودها، ومعرفة أسبابها، ومعرفة علاجها) وهذه الثلاثة قد أشار إليها في أول كتابه .

(فإن من لا يعرف الشر يقع فيه) وسيأتي للمصنف في الباب السادس عند ذكر حذيفة بن اليمان، وأنشد هناك قول بعضهم:


عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه

(والعلاج) عندهم (هو مقابلة السبب بضده) هذا هو المشهور عند الأطباء، وفي قول عندهم: هو مقابلة [ ص: 143 ] السبب بما يلائمه (فكيف يمكن) ذلك (دون معرفة السبب والمسبب) وهو ظاهر (فأكثر ما ذكرناه في ربع المهلكات من فروض الأعيان) التي ينبغي الاهتمام بمعرفتها (وقد تركه الناس كافة) جميعا (اشتغالا) عنها (بما لا يغني) طائلا ولا يجدي نفعا .




الخدمات العلمية