الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في صفة الذبح]

                                                                                                                                                                                        اختلف في صفة الذبح، والمجمع عليه ما حصل فيه أربع صفات:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أن يقطع الحلقوم والودجين والمريء .

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يستأصل قطع كل واحد منهما.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن تكون الجوزة إلى الرأس، أو يكون القطع فيها.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يكون الذبح في مرة واحدة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في أربع مواضع في المسألة:

                                                                                                                                                                                        إذا اقتصر على ما سوى المريء. وإذا لم يستأصل القطع، وقطع النصف من كل واحد فأكثر. وإذا كانت الجوزة إلى البدن. وإذا بعض الذبح، فرفع يده ثم أعادها بالفور.

                                                                                                                                                                                        فأما أعداد ما تقع فيه الذكاة; فقال مالك مرة: يجزئ من ذلك الودجان والحلقوم وزاد في كتاب أبي تمام: المريء. ورأى أنها في أربع. وقال في كتاب الصيد إذا أدرك الصيد، وقد أنفذت مقاتله: يستحب له أن يفري أوداجه. [ ص: 1517 ]

                                                                                                                                                                                        قيل: وإن فرى الكلب أو البازي أوداجه؟ قال: هذا قد فرغ من ذكاته كلها .

                                                                                                                                                                                        ولم يراع الحلقوم; ولو كان ذلك لقال يجز على الحلقوم ; لأنه يصح أن يعض الكلب بأنيابه الجانبين، فيصيب الودجين دون الحلقوم ، وقال مالك في المبسوط في رجل ذبح ذبيحة، فقطع أوداجها، ثم وقعت في ماء: لا بأس بأكلها.

                                                                                                                                                                                        وفي البخاري عن عطاء ، قال: الذكاة: قطع الأوداج . وروي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما فرى الأوداج فكلوا، ما لم يكن قرض ناب أو حز ظفر" . وفي الصحيحين: "ما أنهر الدم فكل، ليس السن والظفر" . وهذا الحديث وإن كان السبب في السؤال عن الذي يذكي به، فإنه يتضمن الموضع الذي يقع فيه الذكاة ; لاختصاصه بما ينهر الدم، ولم يقل: ويقطع الحلقوم والمريء.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا لم يستأصل القطع; فذكر الشيخ أبو محمد في النوادر عن ابن حبيب : أنه إذا قطع الأوداج ونصف الحلقوم فأكثر; أكلت. وإن قطع منه أقل; [ ص: 1518 ] لم يؤكل .

                                                                                                                                                                                        وفي العتبية في الدجاجة والعصفور: إذا أجيز على أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه ; فلا بأس بأكله .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: لا يحل; حتى يجيز على جميع الحلقوم والأوداج .

                                                                                                                                                                                        وأما الجوزة; فإن وقع الذبح فيها أجزأت، واستكمل دائرها. ويختلف إذا قطع نصفها، وأجاز الباقي إلى البدن. أو لم يقطع منها شيئا ، وصار جميعها إلى البدن. فإن قطع نصفها وجاز الباقي إلى البدن; أكلت على قول ابن القاسم ; لأنه لو وقف عند قطع النصف أكلت على قوله، فلا يضر في الباقي إذا جاز إلى البدن، أو بقي لم يقع فيه قطع . ولم تؤكل على قول سحنون .

                                                                                                                                                                                        وأما إذا صار جميعها إلى البدن; فقال مالك وابن القاسم وغيرهما: لا [ ص: 1519 ] تؤكل. وقال محمد بن المواز : قد خرج الحلقوم إذا صحيحا. وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وأبو مصعب وغيرهم : تؤكل . وأنكر أبو مصعب القول بمنع الأكل، وقال: هذه دار الهجرة والسنة، وبها كان المهاجرون والأنصار والتابعون ، أو كانوا لا يعرفون الذبح؟!! ولم يذكروا عقدة، ولم يعبئوا بها . وعلى هذا لا يكون الحلقوم شرطا في الذكاة; لأنها إذا صارت إلى البدن وقعت الذكاة في الودجين، وخرج الحلقوم- كما قال محمد - صحيحا .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية