الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إحداث الأبرجة والأجباح ودخول بعضها على بعض

                                                                                                                                                                                        قال مالك - رضي الله عنه -: من أمر الناس اتخاذ الأبرجة ، وإن عمرت من حمام الناس، فلا بأس به. يريد أن من أمر الناس: أن كل من بنى برجا قد تقدمه غيره، فالذي أحدث من عشر سنين تقدمه غيره بتاريخ قبل ذلك، والآخر أيضا تقدمه غيره، وكل واحد لا ينفك أن يصير إليه من برج من تقدمه، وهو أمر لا يقدر الناس على الامتناع منه، وهو مما تدعو إليه الضرورة، وهذا إذا لم يحدث الثاني بقرب الأول فإنه يمنع; لأن ذلك ضرر عليه. وإذا دخل حمام برج إلى آخر كان الحكم فيه على ثلاثة أوجه: فإن عرف وقدر على رده; رد قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        وإن عرف ولم يقدر على رده; كان فيها قولان: فقال ابن القاسم لمالك : هو لمن صار إليه، ولا شيء عليه فيه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : يرد فراخه، وإن لم يعرف، أو عرف ولم يعرف عشه كان لمن ثبت عنده، ولا شيء عليه فيه . [ ص: 1501 ]

                                                                                                                                                                                        وقول مالك : إذا عرف وقدر على رده أنه يرد إلى الأول موافق لقول محمد بن عبد الحكم في الصيد; لأنه في حال كونه في برج الأول على حال التوحش، فينبغي على قول مالك أن يكون لمن صار إليه، بل هو في هذا أضعف; لأن ما في البرج ليس بملك محقق، فكان رد ما تقرر ملكه أولى.

                                                                                                                                                                                        وقول ابن حبيب : يرد الفراخ. حسن، على قول ابن عبد الحكم ، وأحسن ذلك ألا يرد إلى الأول شيء وإن قدر على رده; لأنها غير مملوكة للأول، وإنما هي على سبيل الإيواء عنده: وهي اليوم تأوي هنا، وغدا تأوي في موضع آخر.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب إذا أوى حمام برج إلى دار رجل، ولم يكن حبسه، وعلم أنه بري، ولم يعرف صاحبه- جاز له ملكه، وإن عرف برجه- رده، على أصل قول مالك .

                                                                                                                                                                                        وإن تعرضه بحبس أو باصطياد فقال ابن القاسم وأشهب: يرده إن عرف برجه، وإلا تصدق بقيمته . ومحمل قولهما على أنه طالت إقامته.

                                                                                                                                                                                        وإن كان بحدثان ما أخذه ولم يقصد فإنه يرسله، فالشأن أن يعود إلى وكره. وإن كان من حمام البيوت، فإن أوى إليه من غير تعرض لحبسه كان حكمه حكم اللقطة، فهو بالخيار بين بيعه والصدقة بالثمن، أو يحبسه ويتصدق بقيمته، وإن حبسه ولم يتصدق بشيء فواسع، وقد استخف مالك حبس الشيء اليسير من اللقطة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في التمرة: "لولا أن [ ص: 1502 ] تكون صدقة لأكلتها" .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية