باب فيمن يسهم له من أهل الجيش ومن لا يسهم له
، وذلك بسبعة شروط : السهمان يجب لمن يتوجه عليه الخطاب بالجهاد
أن يكون ذكرا ، بالغا ، عاقلا ، حرا ، مسلما ، سالما من الزمانة المانعة من القتال ، وأن يكون خروجه للجهاد لا لتجارة ولا بإجارة . ولا يسهم لمن لم يحتلم ولم يطق القتال .
واختلف إذا راهق وأطاق القتال ، قد قاتل أو لم يقاتل ، وفي المرأة إذا قاتلت ، وفي الأجير والتاجر والمريض .
ويختلف في الزمن : كالأعمى والأقطع والأعرج والمقعد والأشل . ولا يسهم للمفلوج اليابس الشق ، ولا المجنون المطبق ، ويسهم للأهوج العقل .
قال في المدونة : وإن قاتلوا . وقال لا يسهم للصبيان ولا للنساء ولا للعبيد في كتاب مالك محمد : يسهم لمن راهق ، وبلغ مبلغ القتال إذا حضر القتال . [ ص: 1423 ]
وقال محمد : لا يسهم له حتى يقاتل . وقال : ابن حبيب . إذا أنبت وبلغ خمس عشرة سنة فسبيله سبيل الرجل ، يسهم له قاتل أو لم يقاتل
وأرى أن يسهم له إذا رئي فيه قوة على القتال ، وحضر الصف ، وأخذ أهبة الحرب ، وإن لم يقاتل .
وقال في المرأة إن قاتلت كقتال الرجال ؛ أسهم لها . وهذا أحسن . ابن حبيب
وأرى أن يسهم لها إذا كان فيها شدة ، ونصبت للحرب ، وإن لم تقاتل .
وأما العبيد وأهل الذمة : فإن خرجوا من أرض الإسلام متلصصين فغنموا- كانت تلك الغنائم لهم ، ولا يخمس ما ينوب الكافر .
واختلف فيما ينوب العبد ، فقال : يخمس . وقال ابن القاسم : لا يخمس . ورأى أن الخطاب في الخمس إنما ورد فيمن خوطب بالجهاد . ويلزم على قوله ألا يخمس سهم الصبي والمرأة ؛ لأنهما ممن لم يخاطب بالجهاد . سحنون
وقال في العتبية : إذا خرج حر وعبد متلصصين فغنما ، خمس ما أصابا ، ثم يقسم ما بقي بينهما . [ ص: 1424 ] ابن القاسم
واختلف : هل يسهم لهما إذا كانوا في جملة الجيش ؟ فقال مالك في العبيد وأهل الذمة إذا كانوا في جملة الجيش : لا يسهم لهم . وابن القاسم
قال في العتبية : لأن المسلمين لا يستعينون بالعبيد ، ولا بالنصارى في عسكرهم . ابن القاسم
وقال : إذا نفر أهل الذمة مع طوائفنا فما صار إليهم ترك ولم يخمس . فجعل لهم نصيبا مع الجيش . ابن حبيب
وقال : إن كثروا ، ولو انفرد المسلمون قدروا على تلك الغنيمة لم يكن لأهل الذمة شيء ، وإلا قسمت بين جميعهم . وهذا أعدلها وكذلك العبيد إذا كان لا يقدر الأحرار إلا بهم ؛ قسمت بين جميعهم . سحنون
وقال في كتاب أشهب محمد : في عبيد وذميين خرجوا من العسكر فغنموا ، فالغنيمة للجيش دونهم .
وعلى قول يكون لهم سهمهم بمنزلة لو كانوا في جملتهم ، وقووا بهم . وأما الأجير فإن كان في رحله ؛ لم يسهم له . سحنون
واختلف فيه إذا قام في الصف أو قاتل : فقال في المدونة : إن شهد القتال وقاتل- أسهم له ، وإن لم يقاتل فلا شيء له . [ ص: 1425 ] مالك
وقال في كتاب محمد : إن شهد القتال أو كان مع الناس عند القتال- أسهم له ، وإلا فلا .
وقال في مدونة أشهب : لا شيء له وإن قاتل .
وقال في المدونة في التاجر : إنه مثل الأجير . يريد : أن لا شيء له إلا أن يقاتل . ابن القاسم
وقال في كتاب محمد : إن شهد القتال أسهم له وإن لم يقاتل .
وقال في الأجير : إذا خرج للجهاد والإجارة لغير خدمة كالخياطة- فله سهمه حضر القتال أم لا ، وإن استؤجر في الخدمة فلا شيء له ، قال : والتاجر مثل ذلك . يريد : له سهمه إن خرج للجهاد والتجارة ، وإن لم يشهد القتال . وإن خرج للتجارة خاصة لم يسهم له إن لم يشهد القتال . أبو الحسن ابن القصار
قال في كتاب ابنه ، في الأجير قد أخذ مالا فباع به خدمته : فلا يسهم له ، إلا أن يترك تلك الخدمة ويقاتل فله سهمه ، ويبطل من أجرته بقدر ما اشتغل عن الخدمة ، وكذلك أهل سوق العسكر لا سهم لهم ، إلا أن يقاتلوا . سحنون
وحكم النواتية في البحر كحكم الأجراء في البر : لا شيء لهم ، إلا أن [ ص: 1426 ] يقاتلوا ، أو يشهدوا القتال ، وإن لم يقاتلوا على القول الآخر .
وروى عن أشهب : أن لا شيء لهم وإن قاتلوا . وأجراهم على حكم العبيد لما لم يكن لهم الخروج بهم ليقاتلوا . مالك
واختلف . في المريض إذا خرج مريضا
وأرى أن لا شيء له ، إلا أن يقتدى برأيه ، فرب رأي أنفع من قتال .
وإن مرض بعد القتال أسهم له ، ويختلف إذا مرض بعد الإدراب وقبل القتال .
ولا أرى للزمن شيئا إذا كان لا يقدر بتلك الزمانة على القتال ، وإنما معونته بالخدمة قياسا على الخديم إذا لم يقاتل .
وقال في كتاب ابنه : يسهم للأعمى وأقطع اليدين والأعرج والمقعد والأشل ، قال : لأن الأعمى يبري النبل ، ويكثر الجيش ويزيد ، وقد يقاتل المقعد والمجذوم فارسا . سحنون
والصواب في الأعمى : أن لا شيء له ، فإن كان يبري النبل دخل بذلك في جملة الخدمة الذين لا يقاتلون . وكذلك أقطع اليدين لا شيء له ، وإن كان أقطع اليسرى أسهم له . ويسهم للأعرج إن حضر القتال ، وإن كان ممن يجبن عن القتال لأجل عرجه- لم يسهم له ، إلا أن يقاتل فارسا . ولا شيء للمقعد إذا كان راجلا ، وإن كان فارسا يقدر على الكر والفر أسهم له . [ ص: 1427 ]
وكل من تقدم ذكره ، أن لا سهم له- يجوز أن يحذى من الغنيمة ، وقد اختلف في ذلك : فقال في المدونة في النساء والصبيان والعبيد : لا يرضخ لهم . وقال : يرضخ لهم . وهو أحسن . ابن حبيب
وقال - رضي الله عنه - : ابن عباس لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يحذيا من الغنائم يسهم للعبد والمرأة . أخرجه . مسلم
وكذلك كل من للجيش فيه منفعة يجوز أن يحذى .
واختلف فيمن ضل عن الجيش : فقال في المدونة : إن ضل بأرض العدو فغنموا بعده فله سهمه . ابن القاسم
وقال في الذين يغزون في البحر فترد الريح بعضهم إلى بلاد الإسلام : فلهم سهمانهم . مالك
وقال : إذا وقعت المراكب في أرض الروم ، ثم انكسرت ، أو مرض أهلها ؛ فرجعوا إلى الشام ، ثم غنموا الذين مضوا : فللآخرين سهمانهم إذا [ ص: 1428 ] رجعوا خوفا على أنفسهم .
وروى ابن نافع عنه في كتاب فيمن ضل عن الجيش حتى غنموا : أن لا سهم له . ابن سحنون
وقال فيمن ردته الريح أو رجع لمرض : لا سهم له . وهذا أحسن ، ولا أرى أن يستحق السهمان إلا بشهود القتال ، فمن لم يشهده لمرض ، أو موت ، أو لأنه ضل ، أو ردته الريح ، أو غير ذلك- فلا شيء له . سحنون
وقال في كتاب أشهب محمد : إن ظفر بالعدو وفيهم مسلمون أسارى أسهم لهم وإن كانوا في الحديد .
وقال : قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : ابن شهاب لم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لغائب إلا يوم خيبر قسم لأهل الحديبية ؛ لقول الله -عز وجل- : وعدكم الله مغانم كثيرة [الفتح : 20] .
ويوم بدر وكان خلفه على ابنته ، وقسم لعثمان لطلحة [ ص: 1429 ] يوم وسعيد بن زيد بدر وهما غائبان .
قال : قال أهل العلم هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واجتمع المسلمون بعده على ألا يقسم لغائب . وقد يحمل فعله إنه كان من الخمس . ابن حبيب
وقال : لو بعث الإمام قوما من الجيش قبل أن يصل لبلد العدو في مصلحة الجيش ، أو لإقامة سوق ؛ فاشتغلوا في ذلك حتى غنم الجيش- فلهم سهمهم معهم . واحتج محمد بن المواز . بعثمان
وروى ذلك ابن وهب وابن نافع عن . وروي أيضا عن مالك أنه لا شيء له . مالك
والأول أحسن ؛ لأن هذا كان قادرا على الكون معهم في القتال والغنيمة معهم ، فاحتبس عن ذلك لهم ، بخلاف من لم يشتغل بهم . [ ص: 1430 ]