[ ص: 1335 ]
كتاب الجهاد
النسخ المقابل عليها
1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)
2 - (ت) نسخة تازة رقم (235 & 243)
3 - (س) نسخة الإسكوريال رقم (1082)
4 - (ق 3) نسخة القرويين رقم (368) [ ص: 1336 ]
[ ص: 1337 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
كتاب الجهاد
باب في فرض الجهاد ، وهل يتعين القتال على من نزل به العدو ؟ وهل يجب النصر على من قارب من نزل به عدو ؟
أول ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ الرسالة- يدعو إلى الله -عز وجل- ، ويبشر من أطاعه بالجنة ، ويحذر من عصاه من النار من غير قتال ، ثم أذن له في القتال ، ولم يؤمر به ، ثم أمر بقتال من قاتله دون من لم يقاتله ، ثم بقتال من يليه ؛ قاتله أو لم يقاتله ، ثم بقتال المشركين كافة ، فقال -عز وجل- إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا [الأحزاب : 45] . وقال : إن عليك إلا البلاغ [الشورى : 48] ، وقال : فإن تولوا فإنما عليك البلاغ [النحل : 82] ، وقال : لست عليهم بمصيطر [الغاشية : 22] .
فكان الأمر على ذلك مقامه بمكة ، ثم أبيح القتال بعد الهجرة ، فقال سبحانه : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق [الحج : 39 ، 40] .
وهذا قول أبي بكر وابن عباس وسعيد بن جبير ؛ أنها والزهري . وقال : أول آية نزلت في القتال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا [البقرة : 190] . [ ص: 1338 ]
والاعتداء : قتال من لم يقاتل ، وقيل المراد : ألا تقتل امرأة ولا صبي .
والأول أحسن ؛ لأن مفهوم الآية : أن يقاتلوا من كان منه قتال . وعلى التأويل الآخر ، المعنى : من كانت له قدرة على القتال ، وإن لم يقاتل . وهذا خروج عن الظاهر . ويدل على الأول قوله سبحانه : وأخرجوهم من حيث أخرجوكم [البقرة : 191] يعني : أهل مكة ، وقد كان منهم قتال .
وقال سبحانه : أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم [النساء : 90] .
ثم قال : فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا [النساء : 90] .
وقال في آخرين : فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا [النساء : 91] .
قال : نزلت في قتال من قاتل ، دون من لم يقاتل . وهو أحسن ما قيل فيها ، وفيها اختلاف . ابن حبيب
ثم أمر بقتال من قربت داره دون من بعدت ، فقال : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار [التوبة : 123] .
ثم بقتال كافة المشركين ، فقال : وقاتلوا المشركين كافة [التوبة : 36] [ ص: 1339 ]
وقيل : أول آية نزلت في القتال قوله : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار [التوبة : 123] .
وهذا غير صحيح ؛ لأن سورة "الحج" نزلت قبل "براءة" ، وأيضا فإن آية الحج تضمنت الإباحة ، والوجوب يحتاج إلى نص ثان ، ولو تقدم الأمر بالقتال لاكتفي به عن الإباحة .
واختلف أيضا في معنى قوله سبحانه : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار [التوبة : 123] من المأمور بالقتال ؟ ومن المقاتل ؟
فقيل : المأمور أهل المدينة بقتال من يليها . وهو قول في كتاب مالك ، قال : ثم تفرقت القرى بعد ذلك . أشهب
وقيل : المأمور بذلك أهل المدينة وغيرهم ، يقاتل كل قوم من يليهم ، ولأن ذلك حكمة من الله -عز وجل- إذ كان معلوما أنه لا يمكن قتال جميع الكفار معا ، وأن الممكن قتال طائفة ، فكان من هو أقرب أولى ؛ لأنه لا يؤمن عند الاشتغال بقتال من بعد هجوم من هو أقرب على ذراري المسلمين .
وقال : لما فتحت الداودي مكة بقي على من يلي الكفار ، وسقط عمن بعد منهم يقول : إذا كان بينهم وبين العدو مدن كثيرة من المسلمين ؛ كان الفرض على من هو مواجه لهم دون من وراءهم . فرض الجهاد
وقد كان وقبل أن يكثر الناس على الأعيان ؛ لقول الله -عز وجل- : الجهاد في أول الإسلام انفروا خفافا وثقالا . قيل : جميعا . ثم على الكفاية ، فقال : وما كان المؤمنون لينفروا كافة [التوبة : 122] . [ ص: 1340 ]
وقال : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون [النساء : 95] ، ثم قال : وكلا وعد الله الحسنى [الحديد : 10] .
ولم يختلف أن الجهاد كان قبل فتح مكة فرضا بقوله تعالى : كتب عليكم القتال [البقرة : 216] ، وبغيرها من الآي .
واختلف هل ذلك باق بعد الفتح ؟
فذهب ، ابن عمر ، وابن شبرمة ، والثوري : أنه ليس اليوم بفرض إلى أن يستنفر الإمام أحدا ، فيجب عليهم . وسحنون
قال في كتاب ابنه : كان الجهاد فرضا في أول الإسلام ، وليس اليوم بفرض ، إلا أن يرى الإمام أن يغزي بعض الناس ، فيجب أن يطيعوه ، ويكون جهادهم وما يصلحهم من بيت المال . سحنون
وأظنه ذهب في ذلك إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : . [ ص: 1341 ] "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا"