الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب الصيد في حرم مكة والمدينة ، وهل يعضد شجرها أو يختلا خلاها ؟

                                                                                                                                                                                        الصيد في الحرم حرام لقول الله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [المائدة 95] فدخل في عموم الآية الحلال يحرم أو يدخل الحرم ؛ لأنه يصير بذلك حراما . يقال : أحرم إذا دخل في الحرم ، وأتهم وأنجد : إذا أتى تهامة ونجدا . وأمسى وأصبح : إذا دخل في الصباح والمساء . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة : "لا ينفر صيدها ، ولا يختلى خلاها" أخرجه البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        فيحرم على الحلال في الحرم قتل الصيد واصطياده ، وإن كان الاصطياد على صفة تسلم فيه نفسه ، ويحرم تنفيره .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا صاده في الحل وأدخله الحرم ، فأجاز ذلك مالك في المدونة : أن يبقى في ملكه ، وأن يذبحه ويكون ذكيا . ومنعه ابن القاسم في العتبية فقال فيمن صاد صيدا وهو حلال أو حرام ، فأدخل الحلال صيده الحرم ، أو أحرم وهو معه ثم حل ، أو خرج من الحرم ، أو حل الذي صاده وهو محرم ، والصيد معهما ، فأكلاه ؛ فعليهما جزاؤه ؛ لأنه وجب عليه إرساله . قال : وخالفني في ذلك [ ص: 1316 ] أشهب ، وقال : لا شيء عليهما .

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وطاووس وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي مثل ذلك : أن عليه أن يرسله .

                                                                                                                                                                                        قال ابن عمر : وإن ذبحه فعليه جزاؤه .

                                                                                                                                                                                        وقال أصحاب الرأي : إن لم يخل سبيله وباعه ؛ فعليه جزاؤه .

                                                                                                                                                                                        وهو أقيس . ولا فرق بين الحلال يحرم وفي يده صيد ، أو يدخل به الحرم ، فإما أن يقال : لا شيء عليه فيهما ؛ لأنه ملكه بوجه جائز . أو يقال عليهما أن يرسلاه ؛ لأن تمادي اليد بعد أن صار محرما بما عقد من الإحرام ، أو بدخوله في الحرم كالابتداء . وظاهر قول مالك المساواة ، وربما فرق بينهما ، بأن قال : إن شأن أهل مكة يطول وهم محلون في ديارهم . وأما المحرم ؛ فشأنه الأيام القلائل .

                                                                                                                                                                                        وقوله في الموطأ غير هذا . لأنه قال : لا يحل الصيد عند الضرورة ، بخلاف الميتة . فكيف بمن هو قادر على أن يذبحه في الحل يأكله طريا إذا أتى من ناحية التنعيم ، وأبعده الجعرانة ، وليس يتغير فيه . ويجب على قوله أن يفرق بين المكي والطارئ الذي مقامه أيام حجه وينصرف ، فيمنعه لهذا ، ويبيحه للمكي . [ ص: 1317 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية