فصل من تجب عليهم زكاة الفطر
أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - . وروي عنه أنه قال : زكاة الفطر على الحر ، والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والصغير ، والكبير وليس إسناده بذلك . "عمن تمونون"
وإخراج الرجل زكاته عن يمونه على ثلاثة وجوه : واجبة ، وساقطة ، ومختلف فيها . فتجب عليه عمن تلزمه نفقته من الأحرار ، وهم خمسة : الابن ، والبنت ، والأم ، والأب ، والزوجة . ولو استأجر حرا بطعامه لم يلزمه [ ص: 1103 ] إخراجها عنه ، ولم يدخل في عموم الحديث ؛ لأن هذه مبايعة ، باع منافعه بطعامه ، فليس عليه سوى ما تبايع به .
واختلف في الزوجة ، فقال مالك : على وابن القاسم ، وقال الزوج أن يؤدي عنها زكاة الفطر ابن أشرس : تؤدي من مالها عن نفسها وعن رقيقها ، ورأى أن نفقته عليها من باب المعاوضة ، وهي عوض عن الاستمتاع .
ويفترق الجواب في إخراجها عن عبيده على نحو ما تقدم فيمن تلزمه نفقته من الأحرار ، فيخرجها عن كل عبد في يديه وتحت قهره ، ولم يتعلق به حق لغير سيده ، وسواء كان العبد ليس فيه عقد حرية ، أو كان مدبرا ، أو أم ولد ، أو معتقا إلى أجل .
واختلف في المكاتب ، والمعتق بعضه ، والمخدم ، ومن جنى جناية فمر يوم الفطر قبل تسليمه ، وتسقط عمن أبق فأيس منه ، أو أسر أو غصب ويحتج في الغصب ، فلا يرجو انتزاعه ، ويلزم إخراجها عمن هو في ملك غيره كعبد الأب ، والأم إذا كانا فقيرين ولا غنى بهما عنه . واختلف في عبد الابن ، والابنة ، والزوجة قبل الدخول ، والمخدم ولا يلزم إخراجها عن عبده الكافر ، ولا عن عبد عبده وإن كان مسلما .
وقال في المدونة : مالك ، وقيل : لا شيء على السيد ، ولا على العبد . وهو أبين ؛ لأن السيد قد باعه نفسه ، وإنما [ ص: 1104 ] له الآن عليه مال ولم يعجز . وقال يخرج السيد عن عبده المكاتب زكاة الفطر في المدونة في المعتق بعضه : يؤدي السيد عنه بقدر ما له فيه ، ويسقط ما ناب العتق . مالك
وقال : على السيد بقدر ما له فيه ، وعلى العبد بقدر ما عتق منه ؛ وقال أشهب في المبسوط مثل ذلك ، وقال مالك في كتاب عبد الملك محمد : على المتمسك بالرق جميع ذلك ، وقال في المبسوط : يؤدي السيد بقدر ما له فيه والعبد بقدر ما عتق منه ، بمنزلة إذا جرح فإن لم يكن للعبد مال زكى السيد جميع ذلك ؛ قال : لأنه لا يخرج نصف صاع . محمد بن مسلمة
فأسقط في القول الأول عن العبد ما ينوب العتيق ؛ لأنه في ذلك الجزء على أحكام العبيد في الجراح وفي الميراث ، وألزم في القول الثاني أن يخرج عن نفسه عن الجزء العتيق ؛ لأن مؤنته في ذلك الجزء على نفسه ، وقد جعلت زكاة الفطر تابعة للنفقة في غير موضع ، ولأن له في ذلك الجزء حكم نفسه يتجر لنفسه ويصون ماله ، والجناية عليه : يؤخذ ما يخص ذلك الجزء دون من له الرق ، والجناية منه : يؤدي من ماله ما يخص ذلك الجزء العتيق ، والجناية والموت والموت أمر طارئ ، وألزم السيد في القول الثالث جميع الزكاة قياسا على الميراث ؛ لأنه لو مات كان له جميع ميراثه . وقول أشهب أقيس . [ ص: 1105 ]
واختلف في المخدم على ثلاثة أقوال : فقال في المدونة : زكاته على من له الرقبة ، وقال في كتاب ابن القاسم محمد : على من له الخدمة . وقال : إن قلت الخدمة فعلى السيد . عبد الملك ابن الماجشون
واختلف في نفقته هل هي على السيد ، أو على المخدم ؟ فمن جعلها على السيد جعل الزكاة عليه ؛ لأنه اجتمع فيه وجهان : الملك والنفقة ، ولا يختلف في ذلك ؛ وإنما يدخل الاختلاف على القول : إن النفقة على من له الخدمة ، فجعلت مرة على من عليه النفقة ، وإن كان الملك لغيره ؛ لظاهر الحديث : . "عمن تمونون"
وكونها على المالك أحسن .
وقال في كتاب أشهب محمد : هو بمنزلة عبد يستأجر بنفقته ، وعلى هذا يجري الجواب : إذا أوصى بخدمة عبده لرجل ، وأبقى الرقبة لورثته ، وكذلك إذا أوصى بالخدمة لرجل والمرجع لآخر ، وجعل له المرجع من الآن ، فقيل : النفقة على من له المرجع ؛ وعلى هذا تكون الزكاة عليه ؛ لأنه قد اجتمع فيه وجهان : الرقبة والنفقة لواحد وقيل : تكون النفقة على من له الخدمة ، وعلى هذا يختلف هل تكون الزكاة على المخدم تابعة للنفقة ، أو على من له المرجع ؟
وإن جعل المرجع للموصى له بعد انقضاء الخدمة ، وأبقى الرقبة ما بينه وبين انقضاء الخدمة على ملك الورثة ، عاد الخلاف المتقدم في النفقة والزكاة [ ص: 1106 ] بين الورثة والمخدم ، ولا شيء على الموصى له برقبة ؛ لأنه لا شيء له فيه من الآن وميراثه إن مات ، وقيمته إن قتل للورثة ، ولو جعل له رقبته من الآن لكان ميراثه وقيمته للموصى له به .
؛ لأنه على ملكه وفي نفقته . وإذا كان لكل واحد من الأبوين خادم ، ولا غنى بهما عنهما وهما فقيران ، كان على الابن الإنفاق عليهما والزكاة عنهما إذا لم تكن الأم في عصمة الأب ، وإن كانت في عصمته وكانا يستغنيان بخادم الأب عن خادم الأم ، كان على الابن الإنفاق على الأبوين وعلى خادم الأب دون خادم الأم ، والزكاة عنهم دون خادم الأم ، وإن كانا يستغنيان بخادم الأم عن خادم الأب لم يكن عليه الإنفاق على الأبوين ولا على خادميهما ؛ لأن الأب موسر بالخادم وعليه أن يبيعها وينفق ثمنها على نفسه وعلى زوجته وخادمها ؛ فإذا نفد ثمنها عادت النفقة على الأبوين والخادم على الولد . والزكاة على العبد المرهون على سيده
والولد يكون له الخادم على مثل ذلك ، فإن كان الولد في غنى عن ذلك الخادم لكونه في جملة الأب وفي عياله لم يلزم الأب النفقة على الولد ولا على خادمه ؛ لأنه موسر بثمن الخادم ، إلا بعد نفاد ثمنه ، وإن لم تكن له مندوحة عنه كان على الأب الإنفاق عليهما والزكاة عنهما . وقد اضطرب في هذه المسألة .
وإن تزوجت البكر على خادم بعينها وقبضتها ، فإن لم تكن لها مندوحة [ ص: 1107 ] عنها كانت كخادمها التي لم تتزوج ما ، فإن كانت في غنى عنها كانت زكاة الابنة على الأب ، وكانت زكاة الجارية على الابنة ، فلا تسقط عن الأب النفقة لمكان الخادم ؛ لأن من حق الزوج أن لا تباع للإنفاق على الابنة لما كانت صداقها ، وكذلك سائر الصداق لا يسقط به الإنفاق عن الأب ، وإن كانت الابنة فقيرة ليس لها ما تزكي منه عنها كان في المسألة قولان : أحدهما أن الزكاة ساقطة عنها ، والآخر : إنها واجبة ، ويباع من الأمة بقدر ذلك ، إلا أن يشاء الزوج أن يزكي عنها .
واختلف إذا ، فقال دعي الزوج إلى الدخول فامتنع ولزمه الإنفاق على زوجته في المدونة : يزكي عن خادمها . وقال ابن القاسم في مختصر ما ليس في المختصر : ليس ذلك عليه إلا بعد الدخول ؛ لأن الخادم بعد الدخول تخدمهما جميعا ، ولم يختلف في المدخول ما فيما أعلمه أن عليه أن يزكي عن خادمها إذا كانت ممن يجب عليه أن يخدمها ، لما كان عليه أن يأتي بخادم تخدمها ويزكي عنها . وقد خفف عنه الشراء ، ولعله لو لم تكن لها خادم لاشتراها ولم يستأجر . [ ص: 1108 ] ابن الماجشون