فصل: واختلف إذا تلبس بالصيام في السفر هل يكون بالخيار في إتمامه
واختلف فمنع ذلك مالك في المدونة، وأجازه مطرف في كتاب إذا تلبس بالصيام في السفر، هل يكون بالخيار في إتمامه؟ واحتج بإفطار النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بلغ ابن حبيب الكديد.
واختلف بعد القول بمنعه; إن هو أفطر، هل عليه كفارة؟ فقال في المدونة: يكفر، وقال في المبسوط: لا كفارة عليه، وهو قول المخزومي، وقال وابن كنانة، إن أفطر بالجماع كفر، وإن أفطر بالأكل والشرب لم يكفر; لأنه للتقوى أفطر. ابن الماجشون:
والقول الأول أحسن; لقول الله سبحانه: ولا تبطلوا أعمالكم [محمد: 33] فإن أفطر كان منتهكا لحرمة يوم من رمضان وكانت عليه الكفارة إلا أن يكون متأولا، وأما فطر النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن السبب كان فيه أن الناس شق عليهم الصوم وأجهدهم فأمرهم بالفطر فوقفوا عنه، فقيل له: [ ص: 763 ] "إنما ينظرون إلى ما فعلت. فدعا بقدح من ماء فشرب منه".
واختلف أيضا إذا هل يكون إمساك بقية ذلك اليوم واجبا، أو مستحبا؟ فقال مالك في كتاب أصبح صائما في رمضان ثم سافر، يستحب له ذلك من غير إيجاب، وهو ظاهر قوله في المدونة: لا كفارة عليه إن أفطر وكأنه رأى أن حلوله في السفر كحلوله في المرض، قال أشهب في مدونته في سقوط الكفارة: لأنه متأول لقول الله سبحانه: ابن حبيب: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [البقرة: 184] ، قال: يقول: فكما لو أصبحت صائما ثم أفطرت لمرض كان جائزا فكذلك ما قرن الله -عز وجل- بالمرض من السفر إذا أصبحت في الحضر ثم سافرت أفطرت، انتهى قوله.
وهذا نحو ما ذكره ابن حبيب عن مالك أن الإمساك مستحب، وأوجب المخزومي عليه الإمساك والكفارة إن هو أفطر والقول الأول أحسن، وقد أبان أشهب الوجه في ذلك، ولم يختلف المذهب أنه لا يجوز له الفطر قبل أن يتلبس بالسفر. وابن كنانة
واختلف في الكفارة إن هو فعل على أربعة أقوال: فقال في [ ص: 764 ] كتاب أشهب لا كفارة عليه سافر أو لم يسافر، وقال ابن سحنون: يكفر سافر أو لم يسافر، ثم رجع فقال: إن سافر لم يكفر، وإن لم يسافر كفر، وقال سحنون: ابن القاسم في كتاب وابن الماجشون إن أفطر قبل أن يأخذ في أهبة السفر كفر سافر أو لم يسافر، وإن أكل بعد أن أخذ في أهبة السفر متأولا ثم سافر لم يكفر. ابن حبيب:
قال وإن عرض له ما حبسه عن السفر كفر، قال الشيخ -رضي الله عنه-: الذي يقتضيه المذهب أن الكفارة مما يجبر الإنسان على إخراجها، ولا يوكل إلى أمانته، ولا إلى قوله، فمتى أفطر الصائم متعمدا غير ناس ثم ادعى أنه فعل ذلك على الجهل، وذكر الوجه الذي ظن جواز الإفطار من أجله فإنه ينظر فيما ادعى من ذلك، فإن ادعى ما لا يشبه لم يصدق، وألزم الكفارة، وإن ادعى ما يشبه صدق ولم يلزم بها. ابن الماجشون:
وجميع ما وقع في هذه المسائل من الاضطراب فذلك راجع إلى ما وقع للمفتي، هذا يرى أنه أتى في دعواه بما لا يشبه فلم يصدقه، والآخر رأى خلاف ذلك فصدقه، وجميع هذا الاختلاف يحسن فيمن ظهر عليه.
وأرى أن ينظر إلى من عثر عليه في ذلك: هل مثله يجهل تلك المنزلة أم لا؟ فمن كان مثله يجهل ذلك صدق، وإلا ألزم بالكفارة، وإن جاء مستفتيا ولم [ ص: 765 ] يشهد عليه صدق فيما يدعيه من ذلك ولم يلزم الكفارة.