الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الحيازات

                                                                                                                                                                                        الحوز مع حضور المالك يسقط ملكه، إذا كان الحوز على صفة ما، يتصرف بها المالك في ملكه وذلك على وجوه:

                                                                                                                                                                                        فأما الديار، فقيل: إن حيزت عشر سنين بحضرته سقط قيامه. قال ابن القاسم: وأرى الثماني والتسع قريبا من العشر. وقيل: الأمر يختلف باختلاف صفة الحوز، وهو على ثلاثة أوجه: السكنى والأكرياء والهدم والبناء. قال مطرف: في الدار تسكن والأرض تزرع، أو تغرس عشر سنين ، والهدم البين والبناء الذي لا يشبه الرم أقصر من السكنى، ومن اغتل أقوى ممن لم يغتل، والحيوان والعروض أقصر. وقال أصبغ: إذا سكن أو هدم أو بنى، أو زرع أو غرس عشر سنين وما قاربها، والثياب السنة والسنتين إذا لبست، والدابة السنتان والثلاث إذا ركبها واغتلها على وجه الملك، والأمة تشبه ذلك إلا أن يطأ بعلمه، فلم ينكر فلا شيء له، وإن لم يطل قبل الوطء، والعبيد والعروض فوق ذلك شيئا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة -في المجموعة في السكنى بانفراده-: لا يستحق به شيئا وإن أقام فيها حتى مات. قال: وكذلك الثوب يقيم الزمان الطويل لا يلبس. [ ص: 5524 ]

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يستحق بالسكنى بانفراده شيئا، وإن طالت المدة إذا كان شأن الساكن السكنى بالكراء، وإن كان مثله لا يسكن بالكراء فذلك حوز، وإن كان المالك للدار لا شيء له سواها، وعاد يسكن الكراء ولم يطلب هذا بكراء فذلك أبين، وإن كان من في يده الدار الآن يكريها، فهو أبين من السكنى، وليس الشأن فيمن اكترى أن يكري، إلا أن يقول تركت له الكراء، ليرتفق به فيقبل قوله إذا كان بينهما مؤاخاة، وكان الآخر ممن يحتاج إلى الرفق، وقد يكون صاحبها يحتاج إلى الرفق فلا يصدق، والهدم لما يخشى سقوطه لا ينقل الملك، وإن هدم صحيحا وله قدر ليتوسع به أو ليبني غيره مكانه، نفعه الحوز . وكذلك إذا كان البناء زيادة مسكن أو مساكن، وكذلك العبد والدابة يسأل لم ترك ذلك في يديه تلك المدة؟ فإن قال عارية نظر، هل بينهما ما يعيره من أجله تلك المدة؟ وإن قال إجارة نظر هل مثله يؤاجر دابته؟ وهل كان يقتضيه في الكراء؟ وهل يشبه الآخر أن يستخدم أو يركب بكراء وكذلك الأمة يسأل على أي وجه، تركها طول تلك المدة وديعة، أو عارية، أو بإجارة؟ وهل يودع مثله مثلها؟ أو هو ممن يؤاجر جواريه وخدمه، والآخر ممن يستأجر؟ فمتى أتى الأول بما لا يشبه لم يصدق. ومتى أشكل الأمر حلف، وكان على [ ص: 5525 ] ملكه، وقد يتبين عند النازلة من القرائن، ما لا يسقط ملك الأول، فيما قيل أنه يسقط، أو يسقط فيما قيل أنه لا يسقط، فيعمل على ما يتبين أنه من القرائن لا تنحصر ، والوطء والعتق والكتابة والتدبير، والبيع والهبة والصدقة والتزويج، فذلك يسقط قيام الأول وإن قرب إذا كان حاضرا عالما.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية