الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في التاجر الحاج يأخذ مالا قراضا]

                                                                                                                                                                                        وإن سافر بالمال كان في النفقة والكسوة على ثلاثة أوجه: فإن كان المال كثيرا والسفر بعيدا، كانت له النفقة والكسوة، وإن كان المال متوسطا يحجب به اجتماع النفقة والكسوة ولا يضر به انفراد النفقة، كانت له دون الكسوة، وإن كان قليلا لم تكن له شيء، وإن كان السفر قريبا والمال كثيرا، كانت له النفقة دون الكسوة، وإن كان قليلا لم تكن له كسوة ولا نفقة، والنفقة والكسوة أو النفقة بانفراد تجب للعامل إذا كان السفر والخروج والرجوع لأجل المال، أو الخروج دون الرجوع.

                                                                                                                                                                                        وإن كان خروجه لغير سبب المال كانت له في الرجوع دون الخروج، وإن كان جميع سفره ابتداؤه وانتهاؤه لغير سبب المال، لم يكن له في جميع سفره ذلك شيء، فإن خرج بالمال من بلده إلى غير بلده كان ذلك له في سفره ورجوعه; لأن المال سبب تكلفه بجميع ذلك، فإن خرج من غير بلده إلى بلده كان له ذلك في الرجوع دون الخروج.

                                                                                                                                                                                        وإن كان له أهل بالبلدين لم يكن له في جميع سفره شيء; لأنه كان يتكلف ذلك قبل أخذ المال، وروي عن أشهب: أن له ذلك في ذهابه ورجوعه، دون مقامه في [ ص: 5249 ] أهله.

                                                                                                                                                                                        ومحمل قوله على أن للعامل عادة في الوقت الذي يخرج فيه إلى أهله، ثم خرج الآن قبل ذلك لأجل المال خاصة.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب فيمن سافر لأجل المال: له النفقة والكسوة التي لولا الخروج بالمال لم يحتج إليها في الحضر. ومحمل هذا فيمن كانت مؤنته في المقام من غلات أو متاجر يرجو حوالة أسواقها، وأما من كان مديرا أو ذا صنعة عطلها لأجل السفر- فله جميع النفقة والكسوة، مثل قول مالك.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أخذ قراضا في أيام الموسم، وخرج حاجا، ولولا المال ما خرج فيما يظن به: ألا نفقة له، وكذلك الغازي. فلم يصدقهم أن أصل خروجهم المال، ورأى أن الغالب في السفر لأجل الحج، وأن غيره من باب الظن، ولو قام له دليل على صحة ذلك: كالفقير الذي لا يقدر على السفر ولا يخرج للغزو وغير ذلك من الدلائل لكانت له نفقته كلها، أو بعض النفقة على قدر نفقته، وقدر مال القراض على القول الآخر.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن كان خارجا لحاجته ثم أخذ قراضا، فالمعروف من المذهب: لا شيء له، وهو كالذي خرج إلى أهله. وقال أيضا: ينظر قدر ما [ ص: 5250 ] كان ينفقه في سفره، فيجعل كأنه من رأس المال، ثم تفض النفقة على قدره من القراض، ويلزم على هذا فيمن خرج لحج أو لغزو أن تفض النفقة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية